IMLebanon

طاقية إخفاء لنواب الأمة

 

لم يكن أمام نواب الأمة للوصول الى البرلمان الا استجداء طاقية الإخفاء، خوفاً من متظاهرين ينادون بسقوط الطبقة السياسية.

 

ولم يكن أمام هذه الطبقة السياسية إلا استخدام الأجهزة الأمنية لحمايتهم وعزلهم عن الغضب الشعبي بتحويل وسط بيروت الى مربعات أمنية وخطوط تماس جديدة بين الأمة ومجلس الأمة.

 

لذا كان لا بد من طاقية الإخفاء، التي لا يقتصر دورها على التواري للتسلل الى داخل كونتون السلطة في ساحة النجمة، وإنما لحجب معتمريها عن مواجهة إزدراء المتظاهرين الذين بقي عددهم متواضعاً ودون التوقعات الكفيلة بإقفال الطرق. وكذلك عن عناصر قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني، الذين أرغمتهم القرارات السياسية على تأمين مسار هؤلاء الجبناء العاجزين عن اكتساب أي شرعية شعبية.

 

أو أن ممثلي أنفسهم وطبقتهم المهترئة يترقبون لحظة متفلتة من الزمن تنقل من يتولون حمايتهم وردع المنتفضين ضدهم الى الضفة الأخرى، لأن ما يجري يفضح هذه السلطة التي لا تبالي بالقوى الأمنية، كما لم تبالِ بالشعب، وإلا لم تكن لتستخدمه في مواجهة أهله وبيئته.

 

المشهد مقزز. هذا أقل ما يقال. ويكشف أكثر فأكثر قماشة هؤلاء الذين يتمسكون بالكراسي ويضعون الجيش وقوى الأمن الداخلي بمواجهة أهلهم، حتى يواصلوا نهب ما تبقى من مقتدرات البلد.

 

فالبحث في مناقشة “موازنة” بحد ذاته، مسرحية تهريج. ذلك أن مناقشة “موازنة” يستوجب إلحاقها بعد عام بجلسة محاسبة. وهذا ما لم يحصل منذ شروق شمس برلمانات ما بعد الطائف وصولاً الى إفلاس الجمهورية.

 

وكأن المطلوب هو الإكتفاء بإكتمال النصاب وافتتاح مهزلة التمديد لشبهة شرعية هذا المجلس مع حكومة “خيال الظل”، التي انتجها سوق المحاصصة الطالع من القوى المسيطرة على التمثيل النيابي، والتي حضر رئيسها بمفرده وتوسط الكراسي الفارغة حوله في مشهد سوريالي بإمتياز.

 

والإصرار على هذه المهزلة، وبعد 17 تشرين الأول، يمهد للمرحلة المقبلة التي تشي بانفصام تامٍ ومزمن لكل من يشارك في هذه الجلسة. ولا يضيرهم انهم أعضاء برلمان اللون الواحد.

 

ولعل قمة المهزلة وقمة الحقيقة، عندما توقف النائب إبراهيم كنعان عن إلقاء كلمته ليخاطب رئيس المجلس شاكياً بقوله: “دولة الرئيس ما حدا عم يسمع”.

 

بالفعل “ما حدا عم يسمع”، فهم في الأساس لا يسمعون. ومن يتكلم يسمِّع درسه، لا أكثر ولا أقل، ربما حتى لا يغرق ويستغرق في بطالته المقنعة على حساب الشعب، ومنذ عهود وعقود.

 

ولو كان نواب الأمة غير ذلك، لما كان همهم تأمين تمويل مصاريفهم. اما تأمين مطالب اللبنانيين فهو ترف لا لزوم له في هذه الحشرة. ويصنف في دفتر الحساب من النثريات.

 

والظاهر أن طاقية الإخفاء تنفع للدخول الى كانتون مجلس النواب، وليس للخروج منه، والا لما طلب رئيس المجلس الإنتهاء من جلسة النصاب المهزوز قبل الظهر ولأسباب أمنية، كما قال. تماماً كما كانت عليه الحال في الحرب الأهلية وجولاتها، وكان حينها وسط بيروت محور قتال رئيسي. ويبدو أنه عاد كذلك.