في حسابات الربح والخسارة… ربحوا تعاطفاً وخسروا امتيازات
بُعيد انفجار مرفأ بيروت، وأمام هول الجريمة وطريقة تعاطي السلطة التي لم ترقَ إلى مستوى الدم المراق، قدّم ثمانية نواب استقالاتهم من مجلس النواب كموقف أخلاقي على أمل أن تكر سبحة المستقيلين، ما يعجّل بفرط عقد المجلس وإجراء إنتخابات نيابية مبكرة وهذا ما لم يحصل لغير سبب. فهل أسست تلك الخطوة التي حاكت نبض الأرض وألم الناس لتغيير سياسي ؟ أو كانت خطوة إنفعالية؟ وبعد مرور حوالى أربعة اشهر ايُّ وقع بقي من دويّ تلك الاستقالة؟
تقدم النواب باستقالاتهم من رئيس مجلس النواب وبدلا من أن يقنعهم بطيّها واعتبارها حافزاً لعمل استثنائي على الصعيد التشريعي والوطني، ظهر وكأن دولته أكثر المستعجلين للبت فيها فيما وجدت الحكومة في «المصائب» فائدة لعدم إجراء انتخابات فرعية في المدى المنظور. أخطأ بعض المستقيلين في تقدير رد فعل بري، وأخطأ البعض الآخر برهانهم على تزخيم دورهم المعارض من خارج البرلمان. مروان حمادة، سامي الجميل، نديم الجميل، ميشال معوض، نعمة افرام، بولا يعقوبيان، إلياس حنكش وهنري الحلو تركوا مقاعدهم النيابية لكن مشوارهم السياسي لم ينته. على بعضهم جلنا لنسأل اي هدف حققت استقالتهم وهل ندموا عليها؟
لا يهتز عرش الفساد من الداخل
بولا يعقوبيان وجدت في الاستقالة واجباً اخلاقياً فبينها وبين البقاء في مكان يغطي فيه وجودها المنظومة السياسية القائمة ويضفي شرعية على حكم لم يعد شرعياً، كان لا بد ان تختار الاستقالة. من لم يستقيلوا لديهم أجندات معينة وارتباطات داخلية وخارجية وحسابات لها علاقة بمصالحهم الضيقة وتحالفاتهم لا بمصالح الناس وحاجاتهم. من بقيوا هم مافيا السلطة واحزابها مهما ادعوا أنهم معارضة، فالمعارضة الحقيقية هي التي تقوم بعمل ضد مصالح المافيا المعروفة والواضحة. بعض الأحزاب قد يدعي انه معارضة ولكنه في الواقع يغطي السلطة فيما المعارضة الحقيقية ترفض ان تكون جزءاً من هذه التركيبة الفاسدة وتغطي سلطة مجرمة وفاسدة. لا يمكن هز عرش الفساد إلا بالخروج منه. لا يمكن التغيير من الداخل وقد قدمت 65 قانوناً من دون ان يحقق ذلك أي تقدم يذكر. الداخل عبارة عن عصابة لا تصغي الى الناس بل تضحك عليهم باسم المذهبية والطائفية وتدعي المعارضة فيما هي في الحكم. ربما الاستقالة لم تؤثر بهم ويبدو ان لا شيء له تأثير عليهم لقد نزل الناس الى الشارع ولم يتأثروا، قتلوا الناس وما رف لهم جفن. لم يكن لدى اي منهم الحس الاخلاقي للاستقالة. لقد قمت بواجبي ولا انتظر من السلطة ان تقوم إلا بما تقوم به منذ ثلاثين سنة الى اليوم، اي النصب والإجرام والكذب والدجل.
الراحة النفسية التي احسست بها بعد الاستقالة لا تثمّن، تقول بولا، ربما خسرت امتيازات النيابة والمرافقين «لكنني ربحت الناس والشارع».
نواب مستقيلون لا سابقون
مروان حمادة ليس نادماً على الاستقالة ويرى أنه لا يمكن استخلاص العبر من نتائجها بعد لكنها حتماً انشأت روحية ومناخاً مرشّحين مع الوقت للتفاعل، وخلقت تمايزاً للنواب المستقيلين خلّصهم من واقع كانوا يشعرون فيه بالعجز في تركيبة غير راكبة. خلقت الاستقالة بداية تحرك يجمع بين النواب المستقيلين والجسم المتعافي من الحراك الشعبي، الذي تحرر ممن حاولوا أخذه الى غير مقاصده الحقيقية وتسببوا بدماره. لا شك أنه لو كان عدد المستقيلين أكثر لكان الوقع أقوى والحركة أفعل ولكانت اهتزت الشجرة التشريعية وهرّت منها الأكثرية القائمة القاتلة للبلد. ولكن كان لا بد من القيام بشيء ولو بسيط تجاه الواقع وفي وجه الاستسلام الكامل لسيطرة «حزب الله».
لو لم تكن الاستقالة ناجعة لكانت المنظومة الحاكمة استعجلت إجراء انتخابات فرعية، لكنها تخشى نتيجتها سواء كانت عودة المستقيلين بقوة أكبر او انتخاب بدلاء عنهم أكثر معارضة. الدولة اليوم تلعب لعبة إضاعة الوقت في انتظار الانتخابات العامة التي تبقى اسيرة القانون المذهبي الحالي الذي قد يقضي عليها، إن لم يطله تصحيح بسيط ينزع عنه الأفخاخ المذهبية القاتلة حتى يؤدي دوره في الإتيان بطبقة سياسية جديدة. إستقالة حمادة لم تكن ضد وليد جنبلاط ولا ضد كتلة «اللقاء الديموقراطي»، كما يؤكد، بل هي ضد ما وصل إليه الوضع نتيجة أخطاء كثيرة ارتكبت من الحلفاء قبل الخصوم. لا عتب عنده على من اختار البقاء فلكل خياراته التي تمليها عليه حسابات معينة، لكن بالنسبة إليه ان كلمة النائب المستقيل ووهج حركته بات أنجح وأفعل من النواب الباقين، الذين فقدوا ثقة الناس وهم يتحركون وفق الإشارة وليس بمقدورهم تغيير شيء في المجلس.
خضّة تؤدي إلى انتخابات مبكرة
إلياس حنكش الذي استقال مع الشيخين نديم وسامي الجميل ككتلة «الكتائب»، لم يجد أمام هول الجريمة التي وقعت في الرابع من آب إلا الاستقالة كوقفة أخلاقية ترضي ضميره. أما سياسياً فالإستقالة أتت عن قناعة بأن ثمة استحالة لإحداث اي خرق او تغيير في المجلس الحالي، الذي تجتمع فيه المعارضة والموالاة على المصلحة نفسها، من هنا وجدت «الكتائب» أنها لا يمكن ان ترضى بأن يدار لبنان بهذه الطريقة وكأنه امر محتوم.
يقول حنكش: «جربنا كل شيء: الطعون، توجيه اسئلة للحكومة، تقديم اقتراحات قوانين لإحداث تغيير يساهم في تحسين حياة الناس، لكننا وجدنا التغيير من الداخل غير ممكن فكان لا بد من الاستقالة. ولا شك أنها أسست لحركة سياسية لا سيما بين النواب المستقيلين الذين كانوا يلتقون حول المواقف نفسها في الاستحقاقات الرئيسية، ويمكن ان تشكل نواة لجبهة سياسية واعدة مع كل القوى التغييرية.
الاستقالة لم تأخذ من رصيد الحزب بل أدت الى المزيد من الانسجام مع ضميرنا وقواعدنا الشعبية، قد لا تكون أعطت المفعول المطلوب على المنظومة السياسية التي لم يؤثر فيها انفجار بهذا الحجم، لكننا قمنا بما يتوجب علينا من دون ان نحسب حسابات شخصية لم يكن وقتها ابداً، لا سيما واننا خسرنا في الانفجار الأمين العام لحزب الكتائب نزار نجاريان وثلاثة رفاق مع الضحايا. اليوم نحن مرتاحون لخياراتنا وإن كنا نتوقع أن تستقيل مجموعات أكبر لإحداث خضة في البلد يمكن ان تؤدي الى انتخابات مبكرة، إذ لا ولادة للبنان جديد إلا بإعادة انتاج سلطة سياسية جديدة».
لا راحة لنائب في وطن موجوع
عضو كتلة «اللقاء الديموقراطي» هنري حلو مقتنع بأنه فعل الصواب بتقديم استقالته التي جاءت كصرخة في وجه الطبقة السياسية التي توضّح إثر الانفجار أنها في مكان والناس في مكان آخر، وانها تتعامل مع الكارثة التي حلت ببيروت وكأن شيئاً لم يكن. «لم أشعر بأي انسجام مع سلطة همها تقاسم الحصص بينما الناس يموتون جوعاً»، قال حلو، ورأى في حديثه لـ»نداء الوطن» ضرورةً لاعتماد مقاربة سياسية جديدة لإيجاد الحلول للوضع القائم. «بعد انفجار بيروت، لم أجد أي تحرك لمسؤول على الأرض، وحده المجتمع المدني كان حاضراً، شيء لا يصدق ان تغيب الدولة عن كارثة كهذه، من هنا لست أبداً نادماً على تقديم استقالتي لكنني لا يمكنني القول أنني مرتاح لأن الوطن بأكمله موجوع»، يقول حلو، ويكمل: «عسى أن تؤدي الحركة السياسية التي نقوم بها مع سياسيين ومع الطيبين والانقياء من المجتمع المدني، وإن لم تتبلور بعد، الى إيجاد طرح جديد يوصلنا الى مكان». برأي حلو، لم يخسر سياسياً فحضوره فاعل على الأرض والناس قد رحبوا بخطوته هذه التي وجدوا فيها تعبيراً عن تطلعاتهم، هو اليوم يفكر بالحاضر ومن هنا حتى الانتخابات «الله بيفرجها». ليس ناقماً على من لم يستقيلوا فنواب الأحزاب لهم مقاربتهم الخاصة للأوضاع وحساباتهم وبعضهم يسعى الى إيجاد حلول من الداخل، لكن ثمة «حطة يد كبيرة على المجلس وكل البلد»..
الأولويات قبل الحسابات
نعمت افرام الذي يغرد وحيداً داخل المجلس امل ان تحدث الاستقالة صدمة كهربائية يمكن البناء عليها في ما بعد لتأسيس جبهة سياسية عريضة. اليوم لا يزال يتحرك وحيداً مع بعض الأشخاص من خارج دائرة النواب المستقيلين، لكن ثمة احتمال كبير بخلق جبهة عريضة يمكن ان تحدث التغيير المطلوب، كما كشف لـ»نداء الوطن». برأيه النظام الحالي أنهى نفسه ولا بد أن التغيير آت لكن المخاض عسير. قبل الاستقالة واجه افرام هواجس كثيرة وتساؤلات دفعته للنظر فيها من كل الجوانب. لكن الحل توضح له حين أدرك دوره وأولوياته فهو لم يدخل السياسة من باب الهواية بل من اجل إحداث تغيير ولا يمكن ان يكون إلا شاهداً للحق. من جهة اخرى هو الذي يترأس لجنة الاقتصاد في المجلس النيابي وجد انه غير قادر على الاستمرار أخلاقياً في هذا الدور فيما البلد ينهار اقتصادياً، فلا تاريخه ولا ضميره يسمحان بذلك. ولو على إحداث تغيير ولو طفيف لكان بقي في المجلس لكنه كان يحترق وادرك ان الخروج والعودة بحركة سياسية موحدة يمكن ان تؤدي الى نتيجة افضل بكثير. افرام ليس عاتباً على أي من زملائه لا بل نصح بعضهم بعدم الاستقالة إذ قد يكون لهم فائدة أكبر داخل المجلس إلا إذا كان ثمة قرار بإسقاط المجلس النيابي. ويعترف أن «لو كنت مكان الرئيس بري لدعوت الى انتخابات نيابية مبكرة بدل اللعب في الوقت الضائع». لكن في النهاية ضميره مرتاح وإن كان يتمنى ان تكون أمور البلد سائرة بشكل افضل.