اثر انتهاء مراسم جنازة الشاعر سعيد عقل التي ترأسها البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، انتظر اهل الفقيد والنواب والوزراء الذين جلسوا على مقاعد الصفوف الاولى في كنيسة مار جاورجيوس المارونية، نزول الراعي لتقديم واجب العزاء بالفقيد بعد مغادرته المذبح، الا ان صاحب الغبطة تبخر وغادر دون القيام بذلك وسط الحيرة التي اصابت المطارنة ووضعتهم في الحيرة بين الاقدام والاحجام لتقديم العزاء وقد علق احدهم بالقول: ان سيدنا اضطر الى خرق البروتوكول كي لا يصافح النواب والوزراء الذين يتحملون مسؤولية رأس الدولة المقطوع وقد شبههم بـ «داعش» في احدى المناسبات، فلا غرابة ان يفعلها رأس الكنيسة المارونية وقد بح صوته من المطالبة بقيام النواب بابسط واجباتهم الا وهو انتخاب رئيس للجمهورية التي باتت مجموعة مغاور وقبائل تقف على حدود الانهيار الاخير وفق الاوساط المواكبة للمجريات.
ليست هي المرة الاولى ولا الاخيرة التي يخرق فيها الراعي البروتوكول في سبيل مصلحة الجمهورية، المهددة بالزوال تقول مصادر مسيحية فمنذ انتخابه لملء السدة البطريركية، قام البطريرك الراعي بنسف البروتوكول الصارم الذي واكب بكركي طوال قيادتها للسفينة المارونية بشكل خاص والمسيحية بشكل عام، وكان اول الساقطين العرف المتبع بان «البطريرك يزور ولا يزار»، ما جعل الراعي جزءاً من القطيع على خلفية ان التواضع من اهم تعاليم السيد المسيح «الذي ركب جحشاً بنت اتان» يوم دخل اورشليم في احد الشعانين، والذي كسر المفاهيم التقليدية فيما يعرف بالتراتبية «ودعوا الاطفال يأتون اليّ» مثال آخر على تدافع الناصري الذي يعتبر الراعي انه المخلص والقدوة، فاذا كان المعلم اول الجوالين لنشر فكره الديني والذي عاشر فقراء القوم من الصيادين والبسطاء الذين اصبحوا تلاميذه، فلا غرابة ان يطيح الراعي بالعرف، في زياراته الى جميع الابرشيات والرعايا والتي كانت سابقة لم يفعلها الاسلاف سواء في المنطقة وفي الداخل وعلى صعيد عالم الاغتراب.
وتضيف المصادر المسيحية ان موقف الراعي بتجنب مصافحة النواب والوزراء في جنازة عقل جاء ردة فعل طبيعية على الآذان الصماء التي تجاهلت نداءاته لملء الشغور في المقعد الاول للدولة، اضافة الى انه يطبق قول السيد المسيح ليكن جوابكم «نعم نعم ولا لا»، ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داود، بعدما تحول الموارنة الى اتباع وملحقات بالاكثريتين المذهبيتين، اضافة الى ان الراعي يعلم كم عانى اسلافه منذ الاستقلال وحتى اليوم من الطاقم السياسي، ويعرف جيداً ان زمن القامات المارونية ولى ربما الى غير رجعة، وان الجمهورية التي صنعها غورو لم تكن لتبصر النور لولا البطريرك يوسف الحويك، وانها ولدت لحماية الاقليات المتهورة طوال الحكم «العثملي»، وان صراع ديوك الموارنة لدى كل استحقاق رئاسي يكاد يطيح ما تبقى من الجمهورية.
وتقول المصادر ان الراعي يعاني مرارة ويكبت غضباً كون القيادات المارونية حولت الطائفة الى شتات بكل معنى الكلمة وان مقولة «المسيحي السني والمسيحي الشيعي» تعبر عن واقع ميداني معاش، ومن هذه الزاوية كان الراعي اول من استشرف خطر النزاع في الكرسي الاولى، فقام بمحاولة استباقية قبل نهاية عهد الرئيس ميشال سليمان مقترحاً بقاء رئيس الجمهورية في القصر لحين انتخاب الرئيس العتيد لتصريف الاعمال، فاعتبر المعنيون ان الامر خروج عن الدستور علماً ان الدستور في خدمة المواطن وليس «الطائف» منزلاً لا يجوز المساس به وان الدول المتقدمة تسعى الى تحديث دساتيرها كما تملي الظروف والحاجات، واذا كان البعض اقترح على الراعي تسمية مرشح للرئاسة، فسبق لبكركي وان خدعت في زمن الوصاية والمؤمن لا يلدغ من حجر مرتين.
وتشير المصادر الى ان الراعي قلق من التأقلم مع الشغور وان الموقع الاول في الدولة قد «يطير» كما «طارت» صلاحياته في «الطائف» وليس بعيدا في لعبة الامم حصول تغييرات غير متوقعة في لعبة المصالح، في وقت يلهو السياسيون في تأدية واجباتهم، ولا عجب ان يقاطع الراعي اهل السياسة بعدما احبط في تحول صوته الى صوت صارخ في البرية، في وقت بدأ الحوار بين «تيار المستقبل» و«حزب الله»، وتسأل المصادر هل يتحول الحوار الى مطبخ للتوافق على الرئيس الماروني بعدما عجزت القيادات المارونية عن ترك خلافاتهم جانباً؟ وماذا بقي للموارنة من موقع في الدولة ما دام قرارهم ينبع من مصالحهم الشخصية وليس من المصلحة العامة وفي طليعتها المصلحة المسيحية؟