دفع طوني دريان ودجويس متّى 300 مليون ليرة ثمن شقّة وسُجّلت باسميهما، إلا أنهما لم يتسلّماها بعد، لأنّ المالك السابق، النائب في كتلة القوات اللبنانية، شانت جنجنيان، يرفض إخلاءها. يدّعي النائب أنه لا يحتل الشقة وإنما هو ضحية عملية نصب، بطلتها إليانا ضاهر، مالكة كونتوار E&G للتسليف، الفارّة من وجه العدالة
يواجه نائب حزب القوات اللبنانية عن قضاء زحلة، شانت جنجنيان، دعوى قضائية، يُطلب منه بموجبها إخلاء المنزل الذي يسكن فيه، في منطقة البوشرية العقارية، والمملوك حالياً من قبل السيّدة دجويس متّى. الأخيرة اشترت كامل القسم 13 (2400 سهم) من العقار رقم 2753، بتاريخ 12/1/2016 ونُظّم لهذه الغاية عقد بيع ممسوح سُجل لدى أمانة السجل العقاري في المتن وتمّ استصدار سند تمليك قسم خاص رقمه 278.
عملية الشراء حصلت بين متّى والسيدة إليانا إسبر ضاهر، بوكالتها عن جنجنيان، الذي كان قد نظم لضاهر بصفته الشخصية وبوكالته عن والده مارديروس ديكران جنجنيان وشقيقه بدروس مارديروس جنجنيان “وكالة بيع عقارية”، بتاريخ 8/1/2016 تحت الرقم 2016/275 بهدف بيع العقار المذكور “لمن تشاء وتريد حتى من أقرب المقربين إليها بالثمن والشروط التي تراها مناسبة”، كما جاء في نصّ الوكالة. نقلت متى الملف إلى القضاء، ورفعت الدعوى يوم 16/8/2016 أمام القاضي المنفرد المدني في جبل لبنان الناظر في قضايا العجلة، بعدما رفض جنجنيان تسليم العقار لها.
تعود القصة إلى حزيران الماضي حين انكشفت قضية ضاهر المتهمة بالاحتيال والنصب بملايين الدولارات، ثم فرّت خارج البلاد. تملك ضاهر كونتوار E&G للتسليف، الذي يعمل في مجال توظيف الأموال، وتقديم القروض المالية الصغيرة والسريعة (مقابل رهن). “ضحايا” ضاهر كُثر، بينهم سياسيون وعسكريون وقضاة. الوحيد الذي كُشف النقاب عن اسمه هو النائب جنجنيان لأنه تقدّم بدعوى جزائية يدّعي فيها أنه من المتضررين منها، إذ يتهمها بسرقة عشرات آلاف الدولارات منه، وببيع شقتين بموجب الوكالة التي نظّمها لها، من دون أن تُحوّل الأموال إلى حسابه.
المستندات التي اطلعت عليها “الأخبار”، تُظهر أنّ دجويس متّى حوّلت في 26 و27 كانون الثاني 2016، من حسابها المشترك مع زوجها طوني دريان في بنك بيروت، شيكّين لإليانا، قيمة الأول 225 مليون ليرة والثاني 75 مليون ليرة، وحصلت في مقابلهما على الشقة السكنية. إلا أنّ متّى تعتبر نفسها ضحية احتيال ضاهر على جنجنيان، وضحية إصرار الأخير على عدم الاعتراف بعملية البيع والاستمرار بالسكن في الشقة التي أصبحت مُلكاً لها.
تعرّفت دجويس متّى وزوجها طوني دريان إلى ضاهر من خلال جورج أبو شقرا “حين طلبا من الأخير مساعدتهما في البحث عن شقة”، بحسب مطلعين على الملف. بعد فترة، اتصل أبو شقرا بدريان ليُبلغه عن وجود شقة يملكها جنجنيان، معروضة للبيع. توجهت متّى لمعاينتها، كون زوجها يعمل في السعودية. بعدما تمّت الصفقة، “طلبت ضاهر مهلة ليُخلي جنجنيان الشقة لأنها تبحث له في الوقت نفسه عن شقة سكنية جديدة. مرور خمسة أشهر دون تسلّم الشقة لم يُثر ريبة الزوجين، “كون الطرف الثاني نائباً، ما يفترض الشعور بالأمان”، كما ينقل مقربون منهما. إلى أن هربت ضاهر خارج لبنان، “فاتصل دريان بجنجنيان، ووعد الأخير بحلّ الأمور بالتراضي”.
المفاجأة كانت “أن يتقدم جنجنيان في 1 حزيران 2016 بشكوى جزائية ضدّ ضاهر ومتى وأبو شقرا وكلود شرتوني (الأخيران اشتريا القسم 7 من العقار نفسه. ونتيجة تسوية بين أبو شقرا ومحامي جنجنيان، تنازل الأول عن 1200 سهم من القسم 7 الذي يملكه، في حين أنّ شرتوني طلب تعويضاً مادياً لقاء تنازله عن الـ 1200 سهم التي يملكها). وتقدم في 22 حزيران بدعوى إبطال عقد البيع المُنظم لمصلحة متى”. النيابة العام التمييزية أحالت التحقيقات إلى النيابة العامة الاستثنائية في جبل لبنان، التي ادعت على ضاهر وأبو شقرا وجورج توما وروجيه جبور وكل من يظهره التحقيق بجرم الاحتيال، من دون ذكر اسم متّى لأنها لم تُمارس جرم الاحتيال على جنجنيان. وعلى ذمة المقربين من الزوجين (متى ودريان)، فإنهما تعرضا لضغوط وتهديدات عدّة. وقد عُرض عليهما “دفع مبلغ 100 ألف دولار مقابل إقفال الملف”. حاول الزوجان زجّ قيادة القوات اللبنانية بالقضية “كون المُدعى عليه نائباً في كتلتها ويسند ظهره إلى نفوذه السياسي بغية عدم التنازل عن الشقة”. كلّ السياسيين القواتيين الذين تواصلوا معهم “نفضوا أيديهم من القضية، ونُقل عن رئيس الحزب سمير جعجع أن القوات غير معنية، فليُحل الأمر في القضاء. لكن الوزير ملحم رياشي قام بوساطة بين الفريقين، فجمع جنجنيان ومتّى في أحد المجمعات التجارية في المتن، لكن من دون أن ينتج أي أمر إيجابي من اللقاء”. لا يزال دريان “مُسلّماً أمره” لرياشي، وأبلغه أنّ “أولادي الثلاثة أولادك. يللي بدك ياه بتعملو”.
الرواية من وجهة نظر جنجنيان، يُقدمها وكيله المحامي طوني فرنجية الذي قال لـ”الأخبار” إنّ “علاقة جنجنيان بضاهر تعود إلى ما قبل 6 أو 7 سنوات حين تعرّف إليها من خلال صديق مشترك وتوطدت العلاقة، إلى أن أقنعته بأن يُشاركها في شركة لتقديم الخدمات الأمنية”. وحين أخبرها بأنه ينوي الزواج ويريد الانتقال إلى شقة أكبر، “أقنعته بتوقيع وكالة بيع عقار. وهو سلّمها سند التمليك وليس مفتاح الشقة”. ما إن تسلمت ضاهر الوكالة في 8/1/2016، “باعت القسم 13 منه في 12 كانون الثاني من دون إبلاغه، وقبضت الشيكين في 26 و27 من الشهر نفسه”. يستند المحامي إلى ذلك، ليؤكد “وجود علاقة مراباة بين ضاهر ومتّى. وزوج إليانا ضاهر قال في التحقيق إنّ زوجته دفعت قرابة الـ 60 ألف دولار فوائد لمتّى ودريان بين أشهر كانون الثاني 2016 وحزيران 2016 (تاريخ هرب ضاهر)”. ويزيد أنّ “الشيك بقيمة الـ 75 مليون ليرة وُضع بحساب أبو شقرا. ولو كان صحيحاً أنه بدل أتعاب سمسرة، لكان حصل على 5% من قيمة عملية البيع والشراء، لا أكثر”. نقاط أخرى يُعددها فرنجية لتثبيت كلامه، منها أنه “بعد إجراء عملية البيع، لم يتصل أحد ليُطالب بمفتاح الشقة”. وخلافاً لادعاء متّى أنها سبق أن عاينت الشقة قبل شرائها وحددت بعض موجوداتها ومعايناتها، ينفي فرنجية ما قالته عن وجود جهاز بلاي ستايشن، ويقول ثمة “نش” في السقف. ويوجد قبو، على عكس ما أدلت به”. يرفض فرنجية أن يُقال إنّ جنجنيان يُصادر شقة شخص آخر، “كلا، لا تزال ملكه ونحن رفعنا دعوى إبطال عقد البيع. نحن نعتبر أنّ جنجنيان ضحية احتيال. لا نقول إنّ متّى مشاركة بذلك، ولكن هي مرتبطة مع إليانا بالمراباة”. ويؤكد أنه “بناء على أقوال زوج إليانا ضاهر، فإنها أصدرت من بنك بيروت ــ فرع عين الرمانة شيكاً بقيمة 200 ألف دولار لمصلحة متّى ودريان، إضافة إلى عقد البيع”. كما أنه ينفي أن يكون جنجنيان قد هدّد الزوجين أو عرض عليهما المال: “هم الذين عرضوا ذلك”.
سياسياً، وبالنسبة إلى موقف القوات اللبنانية من الملف، تؤكد مصادر رسمية في الحزب أنّ “جعجع سيطلع على الملف ويتدخل في الوقت المناسب”. أما مصادر جنجنيان، فتأسف لعدم الاكتراث الذي لاقاه “فهو التقى جعجع لهذه الغاية، فطلب الأخير ترك الحزب خارج القضية”. الأمر غير منطقي، برأيه، فأمام الرأي العام جنجنيان هو نائب في كتلة القوات “يُصادر” شقة تملكها متّى. صحيح أنّ ضاهر سلبته أمواله، لكنه لا يملك دليلاً واحداً يستخدمه في المحكمة ضدّ الطرف الآخر. في حين أنّ متّى ودريان يملكان كلّ المستندات التي تؤكد امتلاكهما الشقة.