نائب رئيس الحكومة منصب فخري بلا صلاحيات أو مهام
عندما تبلغ سعادة الشامي بأنه سيُعيَّن نائباً لرئيس مجلس الوزراء لا وزيراً للاقتصاد لم يستوقفه موضوع الصلاحيات ولم يسأل عنها بعد، فالعمل الحكومي من وجهة نظر دولة الرئيس كفيل بأن يؤهله ليفعل ما يصبو اليه في مهام محصورة بالشأن الاقتصادي، وترؤس اللجان الاقتصادية في الحكومة والتفاوض مع الجهات الدولية المانحة.
لا حقيبة وزارية يتسلمها ولذا فلا تسليم ولا تسلم بين نائب رئيس الحكومة السابق زينة عكر وخليفتها الوزير في الحكومة الجديدة سعادة الشامي، بل لقاء قرره رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الاسبوع المقبل لتسليم عكر الملفات التي كانت قيد المتابعة من قبلها، والمحصورة بمشاريع الاتحاد الاوروبي وundp الى شؤون اللجان التي كانت ترأسها، والتي لا تزيد عن عشر جلسات ترأست اجتماعاتها خلال عام وعشرة اشهر، والسبب أن رئيس الحكومة السابق حسان دياب كان يحرص على ترؤس اجتماعات اللجان ومتابعة عملها مع مستشاريه، ولم يكن يحبذ تجييرها الى نائبته على عكس الكثير من الامور الاخرى.
منذ ان كان سعد الحريري رئيساً مكلفاً لتشكيل الحكومة، ورد اسم سعادة الشامي ممثلاً عن “الحزب القومي” في المسودة الحكومية، تغيَّر الرئيس المكلف وبقي الشامي إرث الحريري لخليفته نجيب ميقاتي، ولكن صار نائباً لرئيس الحكومة بعد ان كان مطروحاً وزيراً للاقتصاد، المحسوب على “الحزب القومي”، والموظف السابق في صندوق النقد وامين عام هيئة الاسواق المالية التي اسسها مصرف لبنان، شغل العديد من المناصب في المؤسسات المالية الدولية والمحلية، لكنه لم يكن مقرباً من حاكم مصرف لبنان الذي كان يفضل عليه مستشاره رجا ابو عسيلي.
عاملان ساهما في توزيره، اختيار الحريري لشخصه وعلاقاته المتصلة بالمواقع المالية التي شغلها، ومن هنا يستخلص ان المطلوب من نائب رئيس الحكومة استثمار علاقاته من جهة وادارة ملف التفاوض مع صندوق النقد والمؤسسات الدولية المانحة، في حال اسندها رئيس الحكومة اليه. وما دون ذلك فلا مهام ينص عليها الدستور ولا حقيبة يتابع اعمالها، ولا مقر رسمياً مخصصاً له ولا مكتب في السراي لماذا؟ لان التوزيع الطائفي لا سيما في حقبة ما بعد الطائف عزز موقع الرئاسة الثالثة ومنحها صلاحيات بحيث يكون رئيس الحكومة الآمر الناهي في حكومته ولا مجلس وزراء يعقد في غيابه. اما نائبه فلا حق له بالنيابة عنه في أي أمر كبيراً كان أم صغيراً.
وخلافاً لما نص عليه الدستور في ما يتعلق بموقع نائب رئيس مجلس الوزراء الذي اعطي صلاحيات تخوّله القيام بجميع صلاحيات رئيس مجلس النواب عند غياب الاخير، فان الموقع المصنف خامساً في السلطة اللبنانية والذي هو نائب رئيس الحكومة، بقي منصباً فخرياً ارضاء للارثوذكس من دون صلاحيات او مهام توكل اليه، اللهم باستثناء ترؤس بعض اللجان، وفي حين يرأس رئيس الحكومة 63 مؤسسة وإدارة فاعلة في الدولة، فان أياً من هذه المؤسسات لا تخضع لسلطة نائب رئيس الحكومة في حال غياب الرئيس، ولا يحظى بصلاحيات التوقيع على اي معاملة مالية او ادارية في رئاسة الحكومة بسائر اداراتها. عندما سأل الزميل مرسال غانم ضيف احدى حلقاته غسان حاصباني عن اللقب الذي يفضل مخاطبته من خلاله اجابه “دولة الرئيس”. شغل حاصباني المنصب لولايتين متتاليتين في عهد حكومتي الحريري الاخيرتين وورث اللقب فصار ولا يزال دولة الرئيس. منصب فخري لا يزيد عن لقب يجعل صاحبه صاحب دولة أقرب الى الرؤساء منه الى أصحاب المعالي ولو بالاسم.
يمكن اعتبار ان عكر احدثت تغييراً في نمط تعاطي نائب رئيس الحكومة، بالنظر للملفات التي كانت تتابعها حتى صار البعض يختصر الحكومة بوجودها. لكن حضور عكر كنائب لرئيس الحكومة والمهام التي تسلمتها ربطها البعض بضعف رئيس الحكومة السابق، وعدم رغبته في متابعة الكثير من الملفات لا سيما الدولية منها، فكان يجيّرها الى عكر ويستعين بمساعدتها في الكثير من الشؤون، وهو سلوك لن ينطبق بالضرورة على ميقاتي الحريص على استثمار صلاحيات رئيس الحكومة وعدم تجييرها حتى لنائبه، بالنظر لما يشكله ذلك من عناصر قوة على مستوى الطائفة السنية. وكيف يرضى بوجود نائب له وقد قامت قيامة الحريري قبله لرغبة دياب بتخصيص مكتب لعكر في السراي، واعتباره ذلك اقراراً بشراكة في صلاحيات رئيس الحكومة لا يمكن تكريسه.
وعلى عكس نائب رئيس مجلس النواب، لا مكتب مخصصاً لنائب رئيس الحكومة في السراي الحكومي. المرة الوحيدة التي وضع فيها دياب مكتباً في السراي هو ذاك المخصص لفريق عمل undp، لم يلق اعجاب عكر فخصصته لفريق عملها وصارت تستقبل ضيوفها في منزلها. كان ثمة مكتب مخصص له في مبنى وزارة المالية الى جانب مكاتب وزراء الدولة في الحكومة، يمكن ان يشغله الشامي او يتبع تقليداً اعتاد عليه غالبية من سبقه باستخدام مكتبه الخاص كمقر لنائب رئيس الحكومة.
كل تلك التفاصيل بسلبياتها لا يعيرها الوزير الجديد الآتي من عالم الارقام ادنى اهتمام، لم يسعَ الى منصب ارتضاه خدمة لبلده. بعد جلسة للحكومة اقرت بيانها الوزاري بالاجماع خرج الشامي مرتاحاً لمسار الوضع الحكومي في انطلاقته. وبين جلسة واجتماع عمل يتحفظ عن اعلان ما في جعبته الحكومية ويختصره “بالعمل الكثير”. لا يستوقفه مقره كنائب للرئيس ولا غياب الصلاحيات، فالوزير الجديد مدرك تماماً لطبيعة عمله وما ينتظره من مهام، فيقول ردا على سؤال: “على العكس ينتظرني الكثير من المهام وهناك الكثير من الصلاحيات”، ويتابع: “سأكون متخصصاً بالشق المالي والاقتصادي من عمل الحكومة اي كل ما له علاقة بالمفاوضات مع صندوق النقد والجهات المانحة وغيرها”. المتحمس لمهامه قبل مباشرتها يريحه ان “العمل سيكون من خلال الحكومة مجتمعة وثمة الكثير من الصلاحيات والامور لنقوم بها”. ليختم قائلا: “لننتظر ونرَ ثم نحكم اذا كان ثمة عمل وصلاحيات ام العكس”.