Site icon IMLebanon

توصيفات مشؤومة!

قد يبدو أمراً هامشياً لكثيرين مقاربة المعايير الخطابية والإعلامية التي تواكب التحرك الشبابي المدني الذي سيخطف الأضواء الكاشفة لمدى طويل. ولكن هذا الجانب يشكل واقعياً نقطة شديدة التأثير سواء في مزيد من تعريف الهيئات المدنية وتحديدا تلك المستقلة تماماً عن أي خط عقائدي وتكييف الرأي العام الداخلي مع خطابها وتوجهاتها، أو في تكريس التمايزات التعبيرية الطالعة عن مرحلة طويلة استهلكت خطاباً ومعايير تبدو قاب قوسين أو أدنى من طي المرحلة السابقة. تبعا لذلك نسارع إلى القول إن وصف “الحراك” الشائع يبدو اقرب إلى تعبير مشؤوم تماماً كتعبير “الحشد الشعبي”. هذا التوصيف يستحضر ذهنياً واعلامياً، شئنا أم أبينا، التجارب المشؤومة الجارية في بلدان عربية طحنتها حروب ومجازر مذهبية وحمامات دماء. لا نقف هنا عند حرفية وصف “الحراك” حتى لو لم يكن خاطئاً، وإنما عند رمزيته المستقاة من ثقافة المحيط المشتعل. ولا نظن ان لبنانياً واحداً إلا ويريد أن يصدق أن الحركة المدنية اللبنانية الطالعة هي أمر آخر مختلف تماماً عن كل ما شهده ويشهده العالم العربي في دلالات ذاك المسمى “الربيع العربي”. وبمثل ما أهين التحرك المدني بزج دول وسفارات في دوافع انبثاقه وتحركه سيكون من الخطورة عدم التنبه إلى اتباع معايير دقيقة تسند هذا التحرك إلى طبيعته اللبنانية السلمية الخالصة واتباعه بسرعة خطاباً مقنعاً بأنه ذاك التحرك الذاهب إلى نفض الموت عن معاناة اللبنانيين.

ولعلنا لا نقف فقط عند التوصيفات العامة التي تلعب دورا فعالا في تكيف التحرك المدني مع المواطنين، بل نذهب أبعد في ضرورة أخرى نراها ملحة تتصل بصياغة الخطاب الإعلامي الخاص بالهيئات الحاملة توجهات هذا التحرك دونما خضوعها للأدبيات الإعلامية السائدة أو حتى لأدبيات اليسار واليمين. معلوم أن لكل حقبة من حقبات التحولات الداخلية ثقافة تطبع كلا منها. وما نراه في التجربة الناشئة حتى الآن هو مزيج حائر من الجديد التعبيري الخاص بالهيئات المتعددة التي تتسارع إلى الانضواء تحت هذا التحرك وإغراق إعلامي يخضع هذا الخطاب لتفسيراته ومفرداته. واذا كان من الطبيعي في البدايات أن تنحصر معايير هذا الخطاب في خطوطه العريضة بالتركيز على مناهضة الطبقة السياسية وعنوان الفساد نظراً إلى أنه تحديداً العامل الأوجع الذي أشعل التحرك المدني واستقطب التأييد العارم فإن مراحل المواجهة المقبلة ستحتاج إلى تصويب أكثر دقة بل أكثر “استقلالية” وتأثيراً لإثبات المأمول في أن لبنان يشهد انتفاضة على الموت وليس اتجاهاً إلى استسقاء تجارب محيطه أو انزلاقاً إلى السقوط في حقل الحفر والألغام التي تنصب للتحرك المدني ولا سيما ممن يتماهون معه زوراً لإجهاضه والإجهاز على الصراخ التغييري.