Site icon IMLebanon

لا إمكانات بشرية وتقنية لصدّ الجراد الصحراوي

 

هل يعود ليغزو لبنان بعد 105 سنوات؟

 

“مدام جرادي حبيبتي أنت عم تقضي ع حالك لحالك، تركتي كل الدنيي وجايي لهون، حبيبتي ما حتلاقي شي تاكليه، حكامنا أكلوا الأخضر واليابس، يعني المهام يلي انت بتقومي فيها قامت فيها دولتنا الكريمة والمصونة، فيش عنا شي للأكل عم ناكل بعضنا، النيدو بـ 40 الف لوين بدك تجي؟ الشجر هر، لِكّي وروحي على البلاد الغنية وجايين كومات كومات كمان، كان ناقصنا بعد جراد “فوق موتو عصّة قبر” لِكّي ورجعي طيري من هون يالله…”.

بهذه اللهجة الجنوبية الساخرة توجه الشاب الكوميدي عبد الله عقيل بنصيحته للجراد وبطريقته الخاصة، بعد الحديث الذي لا يزال يتناقله المواطنون عبر “الواتساب” ومنصات التواصل الإجتماعي الاخرى، ويزعم أن “الجراد في طريقه الى لبنان”، وأن “ثمة معلومات عن وصوله الى بيروت”.

 

وفي هذا السياق لا يستبعد الخبير في علم الحشرات الدكتور نبيل نمر، في حديث لـ”نداء الوطن”، وصول الجراد إلى لبنان، “لكنه مرتبط بعوامل عدة أولها إذا لم تتم مكافحته في البلدان المتواجد فيها حالياً كالسعودية والكويت والبحرين وقطر، حيث أن الهجرة التي تعتمدها أسراب الجراد هي هجرة قصيرة ومرتبطة بتفتيشه عن الطعام”، لافتاً إلى أن هذا النوع يسمى الجراد الصحراوي (شيستوسيرا غريغاريا) وموطنه الأصلي شرق وغرب أفريقيا، ويتوسع نطاقه وصولاً الى الجزيرة العربية والهند.

 

ضرر الجراد كبير جداً

 

أما العامل الثاني فيتمثل بتحوله إلى آفة وذلك مرتبط بالعامل المناخي الربيعي والرطوبة ووفرة الطعام، فينتقل عندها الى الهجرة الطويلة، من بلدٍ إلى آخر وبسرعة تصل إلى 300 كم في اليوم، آنذاك من المحتمل أن يصل إلى لبنان إذا رغب، لكن ذلك لن يحصل إلا بحلول شهري أيار وحزيران، لأن شهري شباط وآذار لا يشكلان بيئة مناخية جاذبة ودافئة، وتتمثل بدرجة حرارة 20 بالحد الأدنى.

 

ويعزو نمر تكاثر أسراب الجراد هذا العام الى الشتاء الذي شهدته المناطق الصحراوية كأفريقيا والسعودية، ما أدى الى نمو الاعشاب والنباتات بسرعة، التي تشكل طعامها المفضل، فتتكاثر وعند انتهائها تشكل أسراباً وتضطر الى الهجرة البعيدة بحثاً عن طعام مماثل، وهذا ما دفعها للوصول وبأعدادٍ تقدر بالملايين الى الدول المذكورة خلال الأسبوع الماضي، ولو كانت هذه البلدان تتمتع بالقدرات البشرية والتقنية الكافية لكانت قضت على هذه الاسراب عند اقتحامها أجواءها، وسط تنبؤات بوصول الجراد إلى سوريا والأردن.

 

وإذ يؤكد على عدم وجود خطر صحي جراء هجوم الجراد على المنطقة العربيّة، لأنّ هذا النوع من الحشرات لا يضرّ، يستدرك بأن “الأذى سيقع على البيئة والمزروعات، لأنّها تلتهم كل ما هو أخضر من نبات وأشجار، لدرجة أنه يجعل الشجرة عارية من كل شيء”. “هو خطيرٌ لأنه ليس كالفراشات ولا الخنافس”، ويمكننا التخفيف من أعداده لكن ضرره سيبقى كبيراً جداً، وفق نمر.

 

أما على المستوى اللبناني، فيرى نمر أنه حتى اليوم ليس لدينا فرق متخصصة تمكننا من مكافحة الجراد في حال وصل الى لبنان، لا بشرية ولا تقنية، معتبراً أن وسائلنا لا تزال بدائية كالمرشة أو رش المبيدات من خلال الجرار الزراعي مثلاً، فيما مكافحته تتطلب تجهيزات حديثة ومواد ضروريّة ومنها الطوافات والطائرات والدرون المتخصصة بهدف القضاء عليه أثناء الطيران، محذراً أنه في حال “غطّ” ليباشر بالتهام المزروعات فعندها نحتاج إلى آلات كبيرة لرش المبيدات المناسبة، وخصوصاً إذا كان السرب كبيراً أي حوالى 40 مليوناً من الجراد، مستبعداً قدرة الدولة على اتخاذ خطوات وقائية فعالة تمنعه من المجيء الى لبنان، مرجحاً أن تكون المناطق الساحلية والبقاع وتحديداً المناطق المسطحة فيه هي أكثر المناطق التي سيمر بها. ولا يغيب عن ذاكرة اللبنانيين غزو الجراد للبلاد وتحديداً في أوائل نيسان من العام 1915، أي بعد أن اشتعلت الحرب العالمية الأولى بسنة واحدة فقط، وبالإضافة إلى طامة هذه الحرب الكبرى وشظف العيش، غزا الجراد البلاد، فانتشر الطيّار منه في سمائها حتى حجب أشعة الشمس.آنذاك قضى الجراد على كل ما هو أخضر، أكل النبات ونهش من لحم الناس الذين ارتموا على قوارع الطرقات من الجوع، وارتفعت أسعار الطعام وفُقد من بعض القرى والمدن، فأخذ الشعب يموت جوعاً، وراح الإقطاعيون الإغنياء يبيعون القمح مقابل الأراضي الزراعية، فازداد إقطاعهم، في حين فرّ من فاز ببطاقة سفر وتأشيرة هجرة الى ما وراء البحار.

 

ويروي أحد سكان برج البراجنة من آل إسماعيل (43 عاماً، رافضاً الكشف عن اسمه الكامل)، كيف اضطر جده لوالده الى بيع دونمين من أرضه، لأحد تجار الطحين والقمح من وجهاء المنطقة، مقابل كيس طحين واحد، بهدف تأمين الطعام لعائلته المكونة من 3 شباب و3 فتيات. وفي كتاب صدر بالفرنسية قبل 5 سنوات، ألفه مؤرخان وباحثان هما الدكتور كريستيان توتل وزميله القسيس بيار ويتوك، نجد معلوماتٍ وصوراً ومستنداتٍ مهمة عن المجاعة، وسمياه “الشعب اللبناني ومآسي الحرب العالمية الأولى”، وفيه شرح صادم عن المجاعة التي بدأت بجحافل جائعة من الجراد وصلت “والتهمت كل شيء”، وجعلت اللبنانيين يطلقون على 1915 اسم “عام الجراد” الذي كانت مكافحته مستحيلة، فاستوطن الجوع ومعه مسببات المرض في كل مكان. كما يسرد الكتاب حالات أكل لحوم بشر، منها رجل “قتل طفليه البالغين 8 و10 سنوات ليقتات منهما”، في إشارة إلى أنه كان يأكل من لحمهما كل يوم.

 

وبالعودة إلى يومنا هذا فقد أكد وزير الزراعة عباس مرتضى في 24 شباط الحالي “جهوزية الفرق المختصة في الوزارة لتطبيق استراتيجية المكافحة الوقائية، تحسباً لأي موجة جراد صحراوي”، كاشفاً عن الإبقاء على جهوزية عليا لمواجهة أي أضرار محتملة، وعن إجراء مناقصةٍ عاجلة لشراء كميات إضافية من المبيدات الخاصة بمكافحة الجراد.

 

ووفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة، يعتبر الجراد الصحراوي (شيستوسيرا غريغاريا) أخطر أنواع الآفات المهاجرة في العالم، فهو “آفة آكلة ” تهدد ليس وسائل عيش الأشخاص والأمن الغذائي فحسب، بل والبيئة والتنمية الاقتصادية كذلك، ويمكن أن تؤثر بسهولة على أكثر من 65 من أفقر بلدان العالم. وقالت المنظمة عبر موقعها الرسمي إن الوضع العالمي تدهور منذ بداية العام 2020 في ما يخص الجراد الصحراوي، خصوصاً أن الظروف المناخية سمحت بتكاثره على نطاق واسع في شرق أفريقيا وجنوب غربي آسيا؛ ويمكن للجراد الصحراوي البالغ أن يستهلك وزنه تقريباً من المواد الغذائية الطازجة يومياً، أي حوالى 2 جرام. ويحتوي سرب مساحته 1 كيلومتر مربع على حوالى 40 مليوناً من الجراد الذي يتناول كمية من الطعام في يوم واحد تكفي حوالى 35,000 شخص أو 20 من الإبل أو 6 أفيال. ويمكن أن يتكاثر بسرعة، ويهاجر لمسافات طويلة ويدمر المحاصيل والغطاء النباتي، ويقضي بالكامل على حقل يكسب فلاح منه رزقه في صبيحة يوم واحد.

 

طرق مقاومة الجراد

 

قرع الطناجر في العام 1916 لإخافة الجراد:

 

“قرع الطناجر” شكل احتجاجي جديد شهده لبنان في المسيرة النسائية وسط بيروت في اليوم الحادي والعشرين لثورة 17 تشرين، وما لبث أن انتشر في مختلف شوارع المناطق اللبنانية ومنازل مؤيدي الثورة

 

للتعبير عن الخوف من الجوع إذا استمر الغلاء المعيشي والأزمة الإقتصادية الخانقة. بالإضافة إلى الفساد والظلم جراء الطبقة السياسية الحاكمة والتي لا زالت تصمّ آذانها عن حقوقه التي باتت بسببهم مطالب وأحلام، علّهم يسمعون ويجيبون.

 

وكان لبنان شهد ظاهرة “قرع الطناجر ” عام 1916 ابان الحرب العالمية الاولى، عندما غزت لبنان اسراب كبيرة من الجراد قضت في سنتين متتاليتين على الاخضر واليابس، فعمل سكان لبنان على اثارة الضجيج والضوضاء لإخافة الجراد وإبعاده عن مزروعاتهم، عبر قرع اجراس الكنائس والطبول والطناجر والصراخ، لكنهم لم يفلحوا في “رد الغضب عنهم”، فكانت المجاعة الكبرى التي راح ضحيتها اكثر من ثلث الشعب اللبناني.

 

أنواع الجراد

 

يختلف نوع الجراد بحسب البيئة التي يعيش فيها، ويوجد العديد من أنواع الجراد المنتشرة في أنحاء العالم ، تصل الى ما يزيد على عشرين ألف نوع، ومن هذه الأنواع: الجراد الصحراوي، الجراد الأصفر، الجراد الأحمر، الجراد المهاجر، والجراد الأسترالي .

 

فيلق بط صيني لالتهام الجراد الباكستاني

 

تستعد الصين لنشر نحو 100 ألف بطة في باكستان المجاورة، للمساعدة في مقاومة أسراب الجراد الذي يلتهم المحاصيل. وسيتم إرسال فيلق الطيور التي تأكل الجراد من مقاطعة تشجيانغ شرقي الصين بعد إرسال فريق من الخبراء الصينيين في وقت سابق إلى باكستان لتقديم المشورة بشأن التعامل مع اجتياح الجراد الذي يعد الأسوأ في 20 عاماً، وفق صحيفة نينغبو ايفننغ.

 

ويقول خبراء زراعيون صينيون إن بطة واحدة يمكنها، أن تأكل أكثر من 200 جرادة في اليوم الواحد، وإن البط أكثر فعالية من المبيدات الحشرية. وأعلنت باكستان حالة الطوارئ في وقت سابق من الشهر الجاري، قائلة إن أعداد الجراد هي الأكبر منذ أكثر من عقدين كما ودمرت أسراب من ملايين حشرات الجراد المحاصيل الغذائية في أجزاء من شرق أفريقيا .

 

شكل الجراد

 

يعتبر الجراد نوعاً من أنواع حشرات الجنادب التي تتبع فصيلة مستقيمات الأجنحة، حيث يمتلك الجراد قوائمَ خلفية قوية تساعده في القفز لمسافات بعيدة، فيستطيع القفز لمسافة تعادل 20 ضعفاً من طول جسمه.

 

ويتراوح طول الجراد بين 3 و13 سنتيمتراً، ويقسم جسمه إلى الرأس والصدر والبطن وتكون مقسمة لـ 11 قسماً، بالإضافة لطبقة من الكيتين، وله فم يحتوي على أسنان حادة جِدّاً، وله قرنان قصيران نسبياً يستخدمهما للاستشعار، وتصدر عنه أصوات موسيقية تنتج عن كحت القوائم الخلفية، أو الأجنحة مع جسمه.