Site icon IMLebanon

لا للتعيينات… قبل الآلية

 

تنفّس اللبنانيون الصُعداء، حين اتُّخذ القرار بسحب بند التعيينات المالية من جدول أعمال مجلس الوزراء الذي انعقد في الثاني من شهر نيسان الحالي، علماً أنّ التعيينات لو تمّت، لكانت قد شكّلت فضيحة مدوّية، وسقطة مُخزية للحكومة.

 

ويُمكن للقاصي والداني أن يُدرك أنّ هذه التعيينات لم تكُن إلّا لإرضاء عرّابي هذه الحكومة وأشباحها.

 

صحيح أنّ الحكومة تسعى إلى استكمال البناء المالي، تمهيداً لمواجهة الأخطار الاقتصادية المُحدقة، لكنّ الأصّح أن على الحكومة استكمال بناء الثقة بينها وبين مواطنيها، قبل أي عمل آخر على الإطلاق.

 

فالتعيينات هي بوّابة بناء الثقة بين الحكومة وشعبها، ولا يجوز إمرار تعيينات تعتريها الشوائب، خلسةً، وعلى غفلةٍ من الكافة، وبمسرحية كوكبة من الأسماء الشكلية، فيما المقصود واحدٌ أحَدْ، دون سواه من الأسماء.

 

فالتعيينات مختلفة:

– منها ما يخضع لآلية قانونية، مثلاً انتخاب وتعيين أعضاء المجلس الدستوري (المادة الثانية من القانون الرقم 250 / 93 معطوفة على أحكام المادة الثانية من القانون الرقم 243 / 2000) وبالتالي لا سبيل لاعتماد أي آلية بهذا الخصوص.

– ومنها التعيينات الأمنيّة (كتعيين قائد الجيش مثلاً) والتي تخضع لأحكام قانون الدفاع الوطني الرقم 102 / 1983 تاريخ 16/9/1983، لا سيما المادة /19/ منه.

والتعيينات القضائية (كتعيين رئيس مجلس القضاء الأعلى مثلاً) والتي تخضع لأحكام قانون القضاء العدلي الرقم 150 / 1983 تاريخ 16/9/1983، لا سيما المادة /26/ منه.

لا تخضع هذه التعيينات لأي آلية، إنما فقط لتوافق سياسي في شأنها، يُتَرجَم بمرسوم يَصدر عن الحكومة، بأكثريّة ثُلثي الأعضاء المُشكّلة منهم قانوناً (الفقرة الخامسة من أحكام المادة /65/ من الدستور اللبناني).

– ومنها التعيينات الإدارية في الفئتين الأولى والثانية في وظائف الملاك الإداري العام. حيث صدر في 16/8/2001 القانون الرقم /363/ الذي حدّد آلية لهذه التعيينات، ونُشِر في الجريدة الرسمية (العدد /41/ تاريخ 18/8/2001). غير أنّ المجلس الدستوري وفي قراره الرقم 5 / 2001 تاريخ 29/9/2001 أبْطَلَ هذا القانون لمُخالفته الدستور، لا سيما أحكام الفقرة الخامسة من نصّ المادة /65/ منه.

 

غير أنّه في 12/4/2010 أصدر مجلس الوزراء قراراً حمل الرقم 12 / 2010 وضع آلية لهذه التعيينات، صار اعتمادها في بعض التعيينات، أهمّها «المدير العام لوزارة الصناعة»، «المدير العام لوزارة العمل» و«المدير العام لإدارة المناقصات» و… كذا… علماً أنّ الحكومات المتعاقبة بعدها، تنكّرت لهذا القرار الحكومي، وعادت إلى مراسها القديم بالتعيين سنداً «للمحسوبية» وبعيداً من الكفاية والآلية.

 

مماّ دفع بالنائب جورج عدوان في 9/9/2019 إلى تقديم إقتراح قانون يَرمي إلى تحديد آلية للتعيين في الفئة الأولى في الإدارات العامة وفي المراكز العُليا في المؤسسات العامة، علماً أنّ هذا الإقتراح المذكور أُحيل إلى لجنة الإدارة والعدل أصولاً.

 

أمّا في شأن التعيينات المالية، فصحيح أنّها تخضع لأحكام قانون النقد والتسليف الرقم 13513 / 1963 تاريخ 1/8/1963، ولا سيما المادة /18/ منه، والتي تنصّ على أنّ نوّاب الحاكم يُعيّنون لـ5 سنوات، بمرسوم يُتّخذ في مجلس الوزراء، بناءً على اقتراح وزير المالية واستشارة الحاكم. وصحيح أيضاً انّ هذه المادة اكتفَت بذِكر أنّه يقتضي بهؤلاء فقط أن يكونوا من حَمَلة الشهادات الجامعية وأصحاب الخبرة والصّفات المعنويّة… كذا… لكنّ ذلك غير كافٍ، فليست كافة الشهادات الجامعية متساوية، كذلك الخبرة والصفات الأخرى… كذا…

 

ذلك الأمر بالنسبة الى اعضاء لجنة الرقابة على المصارف، وأعضاء هيئة الأسواق المالية، ومفوّض الحكومة لدى مصرف لبنان وهيئة التحقيق الخاصة. بحيث يقتضي إقرار آلية واضحة وشفّافة لتعيين هؤلاء. وقبل هذا الإقرار، يُعتبر أي تعيين بمثابة جريمة موصوفة في حقّ الشعب اللبناني.

 

فالآلية المطلوبة يمكن أن تكون آلية مستقلّة، كذلك يمكن أن تكون من ضمن اقتراح القانون والذي تقدّم به النائب جورج عدوان، والذي لمّا يزل حتى تاريخه في لجنة الإدارة والعدل.

 

ولحكومة التكنوقراط نقول: لا تسمحوا للسياسيين بإفساد سيرتكم ومساركم.

 

ففي النهاية، التاريخ سيلعن كلّ مرتكب، والمسؤولية تقع على عاتقكم، وخيار الاستقالة يبقى لكُم أسمى من خيار البقاء والخنوع. فالتاريخ لن يرحم أبداً.

 

وبالتالي، لا نقول انه يجب على الحكومة ان تمتنع عن إجراء التعيينات، إنما لا إصدار لهذه التعيينات المالية قبل إقرار آلية لهذه التعيينات، مهما كثُرَت الضغوط وتعاظمت.