IMLebanon

برّي اليائس: لا أحد يريد التراجع

 

سياسة   في الواجهة  

في 10 تشرين الثاني الفائت، تحدّث الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عن تعثّر تأليف الحكومة، وسرد العقبات واقترح المخارج. بعد انقضاء اكثر من شهر، ثبت ان بوصلة التأليف تقف عند الرجل. مذذاك لم يطرأ جديد، بل استعيد ما قاله.

يومذاك تحدّث الامين العام لحزب الله عن الاصرار على توزير احد النواب السنّة الستة، حلفائه، مؤكداً عدم التخلي عنهم و«من حقهم علينا ان نقف الى جانبهم وسنبقى معهم سنة او سنتنين والى قيام الساعة». تطرّق الى اقتراح حكومة 32 وزيراً بغية تمثيل العلويين والاقليات، قبل ان يُعوَّم هذا الاقتراح في الايام الاخيرة كمخرج لأزمة توزير احد النواب الستة، ويصبح في صلب السجال كما في اسباب استمرار التعثر.

يروي رئيس مجلس النواب نبيه برّي انبثاق فكرة حكومة 32 وزيراً في يوم انتهاء الاستشارات النيابية الملزمة في 24 ايار، في الاجتماع الذي عقده مع رئيس الجمهورية ميشال عون وإطلاعه منه على نتائجها. في انتظار وصول الرئيس سعد الحريري الى قصر بعبدا، فاتح عون برّي في هذا الاحتمال، فأيده. عندما حضر الحريري عرضه عليه رئيس الجمهورية، فاستمهله للدرس. بانقضاء يومين سأل برّي الحريري، عندما التقيا في ساحة النجمة، عن موقفه من حكومة 32 وزيراً فعارضها. مذذاك صُرف النظر عنها.

في اعتقاد رئيس المجلس ان استعادة فكرة حكومة 32 وزيراً لا تزال مخرجاً متاحاً لمأزق التأليف، وهو مستعد للذهاب الى الحد الاقصى لتهدئة خاطر الرئيس المكلف بوضع المقعدين المحدثين، العلوي والاقليات، في حصته دونما تخليه عن اي مقعد سنّي. مع ذلك لا يرى سبباً لرفض الحريري التجاوب مع اعادة طرح الاقتراح في الشهر السابع للتكليف.

يقول برّي ان حكومة 32 وزيراً تلاقي، في نتائجها، الاقتراح الذي حمّله في وقت سابق للوزير جبران باسيل مرتين، وهو يجزم بأن اقتراحه هذا لا يزال الافضل والاسهل منالاً اذا حظي بموافقة رئيس الجمهورية. لم يحدّث به الرئيس المكلف ظناً منه ان باسيل اقدر على تخريجه باقناع رئيس الجمهورية بالموافقة عليه: توزير احد النواب السنّة الستة في المقعد السنّي السادس الذي قايض به الحريري عون ثمن مقعد مسيحي يريده في حصته هو.

على ان رئيس المجلس يثابر على الابتعاد عن ابداء اي موقف بازاء المأزق الحكومي، بقول جملة مقتضبة مفيدة: «الازمة موصدة الابواب. لا احد يريد التراجع».

 

منذ 10 تشرين الثاني بوصلة حزب الله تدير التأليف

 

الى الآن ليس ثمة ما يشير الى استعداد الرئيس المكلف الخوض، حتى، في اقتراح يفضي الى التوزير الذي يناوئه. ظاهر حجته ان ليس لاحد ان يملي عليه سوى ما يدخل في صلاحياته الدستورية، وباطنه رفضه شريكاً سنّياً له داخل الحكومة ظهيره حزب الله. ما يعرفه ايضاً ان ممارسته صلاحياته الدستورية الآن وهمية اكثر منها واقعية. بيد ان الاهم ان اقصى ما يسعه فعله تجميد التأليف، الا انه لا يملك ان يفرض تشكيلته:

– بالقول تارة انه لا يريد اعادة العلويين الى السلطة الاجرائية، على نحو حقبة الوجود السوري، لسبب مباشر هو ارتباط هذه الطائفة والتصاقها بنظام الرئيس بشار الاسد، كمَن يعطي – في ظنه – المقعد الى الاسد نفسه.

في البرلمان الجديد نائبان علويان احدهما طرابلسي في كتلة الرئيس نجيب ميقاتي هو علي درويش، والآخر عكاري في كتلة باسيل هو مصطفى حسين وكان سابقاً في كتلة الحريري. في اي حال ليس الحريري مدعواً الى توزير احدهما، بل ثالث من خارج مجلس النواب يدين بالولاء له، شأن النائبين العلويين في دورتي 2005 و2009 اللذين انضويا في كتلته النيابية، من دون ان يمتا بصلة الى نظام الاسد، ومن دون ان يتذرع الحريري ايضاً، حينذاك، بحجته الحالية.

– وبالاصرار طوراً على رفض الاقرار بوجود ثنائية داخل طائفته، يمثلها النواب الستة السنّة الذين – من دون هذا المقدار غير المشروط من دعم حزب الله لهم – لا يسعهم الوقوف في طريق تأليفه الحكومة.

ليست المرة الاولى، منذ اتفاق الطائف، تنشأ ثنائية سنّية خبرتها تجربتا الرئيس رفيق الحريري وخلفه من بعده. في انتخابات 1996 – الاولى التي خاضها الحريري الاب – كان في البرلمان الرئيس سليم الحص والنائب (آنذاك) تمام سلام، قبل ان يطيحهما الرئيس الراحل في انتخابات 2000 بغية قصر الزعامة السنّية البيروتية – وليس طبعاً في كل لبنان – عليه. مع الحريري الابن نشأت زعامة سنّية صاعدة في طرابلس منذ انتخابات 2000 هي الرئيس نجيب ميقاتي، بترؤسه الحكومة عام 2005 مع شرط عدم ترشحه للانتخابات عامذاك، ثم تحوّله معادلاً رئيسياً في طرابلس اذ تمدد اليها الحريري الابن. عام 2011 انتزع منه ميقاتي رئاسة الحكومة بعد عودته قبل سنتين الى مجلس النواب. وهو الآن القطب الطرابلسي الثاني. مع ذلك تصرّف الحريري الابن على ان لا ثنائية سنّية تتهدّده، ما دامت المنافسة مع ميقاتي طرابلسية، لا تشبه القلق الذي اضفاه الحص على الحريري الاب في بيروت معارضاً دائماً له.

مع ظهور النواب السنّة الستة، المتفرّق ثلثهم على كتلتي حركة أمل وحزب الله والثلث الثاني منضو في كتلة رأسها سليمان فرنجيه، ثمة ثنائية سنّية مختلفة تماماً. اربعة من النواب الستة انتزعوا مقاعدهم من الحريري في بيروت وطرابلس والضنية والبقاع الغربي، وهي ليست حال النائبين قاسم هاشم والوليد سكرية.

اكثر من سبب لإقلاق الحريري جراء تسليمه بثنائية سنّية، لا تكتفِ بحرمانه من المقاعد الستة، بل تنشئ للفور سابقة برسم الحكومات المقبلة تنجم عن تفكيك الزعامة السنّية – بعدما احتفظ بها 13 سنة على التوالي – الى كتل متوسطة. احداها النواب السنّة هؤلاء اذ استمدوا شرعية مقاعدهم من ناخبي طائفتهم، وشرعية فرضهم في المعادلة السياسية من حزب الله.

يطمئن هؤلاء الى ما ينتظرهم قول نصرالله في 10 تشرين الثاني، الساري المفعول حتى اشعار آخر، والبوصلة الوحيدة للتأليف: توزيرهم أو لا حكومة.