IMLebanon

اللبناني اليائس؟!

 

بعد انفجار المرفأ في 4 آب 2020، وبعد كارثة انفجار صهريح المازوت ليل السبت 14 آب 2021 في عكار في منطقة «تليل»، ناهيك عن المشاكل اليومية، الإقتصادية والمالية والأمنية التي يعانيها الشعب اللبناني، تَسمّر جميع اللبنانين نهار الأحد الفائت أمام شاشات التلفزة لمتابعة ما الذي حصل في «طرابلس» ليل السبت الأحد 23-24 نيسان 2022، وانتظار أي خبر إيجابي عن الزورق الذي كان ينقل أشخاصا لم يعد باستطاعتهم العيش في لبنان لأسباب نفسية واجتماعية وحياتية… والجميع شعر بعدم القلق والخوف وخاصة بالحزن واليأس بعد المشاهد التي رآها في التلفاز أو في مختلف وسائل التواصل الإجتماعي. فهل صحيح أن اللبناني هو في مرحلة اليأس المطلق ممّا يدفعه للقيام ببعض التصرفات اللاواعية أو غير المحسوبة جيداً؟

بسبب هول الكارثة التي وقعت في طرابلس، كل لبناني شعر بالقلق والحزن بسبب الإسقاط. فالإسقاط هي آلية دفاعية يستعملها الإنسان بشكل غير واعٍ للتخفيف من حالته النفسية السلبية. ولا يمكن أن يختبر الإنسان مأساة بدون أن تتحول الى قلق معمّم وصدمة يتألم بسببها بسكوت. فكل واحد منّا طرح السؤال نفسه وهو: «ماذا لو كنت من أحد هؤلاء الركاب؟ ماذا لو كان أخي أو أختي أو أحد من اقاربي أو اصدقائي؟». ولم يقتصر حزن اللبناني على الأشخاص البريئين الذين لا ذنب لهم سوى انهم يبحثون عن آفاق جديدة بعيدة عن الذل والفقر والمآسي التي يعيشونها في بلدهم الام بل تعدّى هذا الحزن على كل لبناني يشعر باليأس بسبب الحالة السياسية التي وصل إليها لبناننا.

 

ما هو اليأس؟

اليأس هو حالة نفسية، سببه عدم القدرة على تحقيق الحاجيات الاساسية عند الإنسان ومنها العيش المحترم وتأمين المأكل والمشرب والملبس وصولاً لتحقيق الآمال. وعادة يظهر اليأس بشكل جماعي لأسباب إقتصادية أو سياسية أو حياتية. ويتبلور ويترجم على أرض الواقع من خلال بعض التصرفات العدوانية أو الحادة تجاه الآخرين كما يمكن أن يظهر من خلال الأحلام. ويمكن له أن يأخذ أشكالاً متعددة واضطرابات تترافق معه مثل القلق أو الخوف وإضطرابات نفس-جسدية. ومما لا شك فيه أنّ المرحلة الصعبة التي يمر فيها لبنان بعد كورونا وتدهور الإقتصاد اللبناني بسبب السياسات السابقة والمشكلات في المصارف، ثم إنفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020، ومشاكل المازوت وإنفجار «تليل» ثم فاجعة زورق طرابلس في ليل السبت 23 نيسان 2022 الذي كان ينقل حوالى 75 شخصا يأسوا من الحياة وإختاروا أن يشقوا البحر آملين بمستقبل أفضل لهم ولأسَرهم… وغيرها من الأمور تجمّعت وجعلت من اللبناني فريسة سهلة لليأس.

 

عندما يستولي اليأس علينا

خلال الأزمة التي يمر بها لبنان إقتصادياً وسياسياً، والضغط الخارجي عليه وعلى طريقة معالجته للأمور الإجتماعية والسياسية والأمنية… إزداد الضغط أيضاً على كل لبناني توتّرَ وخاف على مستقبله ومستقبل أحبائه. وبدأ اليأس ينخر في عقولنا وفي يومياتنا من دون أن يمل أو يكلّ، بل يزيد من نشاطه كلما سنحت له الفرصة وكلما تعقدت الأزمات في لبنان. لذا بدأنا نرى في العيادة النفسية عوارض شبيهة جداً لعوارض الإكتئاب، وهي:

– عدم الشعور بقوة الحياة والنشاط اليومي.

– الشعور بالسوداوية تجاه جميع الأمور الحياتية حتى لو كانت إيجابية في حياة الشخص اليائس.

– مشاكل في النوم والتركيز يرافقها فقدان الطاقة.

– حزن وفقدان اهتمام بالأنشطة التي كان يقوم بها عادة في يومياته.

– عدم الحاجة للإستمرار بأي عمل يقوم به الشخص اليائس.

– التفكير بالموت والانتحار. بعض الأحيان هذا التفكير يكون بطريقة هوسية ومتكررة.

 

… والحل؟

لا حلّ لليأس ولقلق اللبناني وخوفه على مستقبله ومستقبل أولاده إلا من خلال نموذج واضح لسياسة شفافة بعيدة عن الخدمة الزبائنية والطائفية والشخصية. فبرأيي كأخصائي نفسي ومعالج، والأهمّ أنني شاهد على كل ما يحصل في لبنان، كلنا بحاجة للراحة النفسية وتقديم الواجبات تجاه دولتنا. وبالتالي ننتظر، كمواطنين، أن تقدّم لنا الدولة حاجياتنا. ولكن للأسف وصلنا الى وقت أننا لا نحصل على حقوقنا الخاصة والشرعية… كالبنوك والتحكم بأموالنا كما نشاء بدون أي قيود… لذا، الحلّ الوحيد في لبنان هو تحرّك الدولة تجاه المواطن لكي يثق بها مجدداً. ففي علم النفس، تحديداً في علم النفس الأسَري، عندما يخسر أحد أفراد العائلة ثقته بأهله، يكون قد خسر معنى الحياة وبالتالي لن يثق بوالديه مرة أخرى، إلّا بعد عدة إثباتات تؤكّد حرص العائلة عليه.

 

وهذا هو الحل في لبنان. بكلمات ثلاث، يمكن للسياسة أن تخلّص اللبنانيين، جميعنا من دون إستثناء، وهي: الشفافية، والإنتماء، والخدمة العامة.

وللتخفيف من هذا الخوف الذي رافَقنا، من المهم أن يتّبِع الشخص، المتأثّر جداً بالمشاهد المروعة التي تناقلتها مختلف وسائل التواصل الإجتماعي، النصائح التالية:

– قراءة عن الموضوع ولكن ليس بشكل هوسي والإبتعاد عن مشاهدة الفيديوهات ذات المشاهدة العنيفة والقاسية بالرغم من انها تُظهِر لنا الحقيقة المروعة.

– القيام ببعض النشاطات التي تخفف من وطأة هذه الحادثة.

– قراءة القصص المسلية والرياضة، والإسترخاء، والاستماع الى الموسيقى الهادئة… وغيرها من التقنيات المهدئة.