إنها غيمة وتمر حتى ولو كانت داكنة وسوداء وتُنذِر بعواصف سياسية وأمنية وحتى… إرهابية. فالناس تتنازعهم هذه الأيام مشاعر مختلفة، والمحللون على خطاهُم منقسمون بين ترجيح التفاؤل والتشاؤم، والخطير في ذلك ان المتفائلين لهم أسبابهم واعتباراتهم وكذلك المتشائمين لهم من الحجج ما يكفي لتثبيت تشاؤمهم. ولكن بين الفريقين أين تقف الوقائع الحقيقية والدقيقة؟
على رغم كل المعارك التي تحصل والتي تتنقَّل بين البقاع والشمال، وتحديدًا بين عرسال وبريتال وطرابلس وعكار، فإن هناك شعوراً عاماً بأن المعركة الكبرى لم تقع بعد، فمعارك لبنان مرتبطة بالحرب السورية، وطالما ان هذه الحرب لم تنتهِ بعد فإن حقل التجارب اللبناني سيبقى على ما هو عليه من الحيوية والنشاط، وعلى رغم كل محاولات وقف النار فإن ما يتحقق لا يعدو كونه هدنة متنقلة حينا في عرسال وحيناً آخر في الشمال. الجميع يتحدثون عن ان الهدنة الحقيقية لن تتحقق قبل معرفة مسار التطورات في سوريا، وقبل كل ذلك ليس هناك من استقرار على رغم كل المحاولات الصادقة التي يبذلها اكثر من طرف، فالهدوء في عرسال مثلا ليس هدنة ثابتة ولا هو إستقرار دائم، وكذلك الامر في الشمال، فمنذ اكثر من شهر إندلعت معركة عرسال وما زالت تجرجر تفاعلاتها ومضاعفاتها حتى اليوم. وما ينطبق على عرسال ينطبق على الشمال، فمنذ فترة جرى الحديث عن نجاح الخطة الأمنية في طرابلس، ليتبيَّن ان الخطة كانت مجرد هدنة على رغم كل الجهود المخلصة لتحويلها إلى هدنة ثابتة.
اليوم ماذا من هنا؟ وإلى اين؟
لا أحد يملك أجوبةً صارمة وحاسمة ودقيقة وشافية، فهذا البلد يزخر بالأسئلة لكن الاجوبة ليست قراراً محلياً، فمَن يملك القرار هو الذي يملك الجواب، وطالما ان قرارنا ليس بأيدينا فإن الجواب ليس لدينا.
وتأسيساً على كل ما تقدَّم فإنه طالما لا إستقرار في الأمن، كيف يكون هناك استقرار في السياسية وفي الاستحقاقات السياسية؟
الجواب هو في غاية السلبية، فالإستحقاقات غامضة ولا مؤشرات حتى الآن إلى وضوحها على رغم كل الجهود التي تُبذَل، الواضح الوحيد إلى الآن هو أن التمديد لمجلس النواب هو الثابتة الوحيدة في ظل كل هذه المتغيرات، أما عدا ذلك فلا شيء ثابتًا وكل الملفات عُرضةً للمراوحة، من ملف رئاسة الجمهورية وصولاً إلى كل الاستحقاقات سواء المعيشية أو غير المعيشية وفي طليعتها سلسلة الرتب والرواتب التي تراجعت الى المستويات الدنيا في الاهتمامات.
مع ذلك، وعلى رغم كل شيء، فإن الناس يريدون ان يتفاءلوا لأن التفاؤل ليس خياراً يمكن تبديله بل هو قدرٌ لا مناص منه، ومَن يُشكك بالتفاؤل ليستعرض النصف قرنٍ من حياة هذا البلد فيتأكد ان التفاؤل هو الغالب.