Site icon IMLebanon

القدر الغاشم

حرب المواقع والتلال في القلمون مستمرة، في الداخل السوري، بين أطراف الصراع الثلاثة النظام السوري وحزب الله من جهة والمعارضة السورية بمختلف فصائلها، من جهة ثانية.

الجيش اللبناني على الحدود، قراره واضح كما أعلن قائده العماد جان قهوجي في الاجتماع الأمني الموسّع، وهو حماية الحدود اللبنانية، والتصدي لأي تعرّض للأراضي اللبنانية من أي جهة أتى، بمعنى آخر انها سياسة النأي بالنفس التي اعتمدتها الحكومة السلامية، بمعزل عن دعوات بعض أطراف الثامن من آذار الى الجيش لمؤازرة حزب الله، وكأن دست لبنان تنقصه هذه الباذنجانة…

بعض الأوساط الوزارية توقفت عن اطلاق الدعوة للمؤازرة، لكنها تناولت الموضوع، بما هو أسوأ، بزعمها ان معركة القلمون تدور داخل الأراضي اللبنانية أيضاً… وواضح ان القصد من هذا دحض الموقف الرسمي، أكان مصدره الاجتماع الوزاري – الأمني الموسّع، أو قيادة الجيش، القائم علي نفي امتداد هذه المعارك الى داخل لبنان.

والراهن انه اذا كان من تمدّد لمعركة القلمون المراد منها تحقيق انتصار للنظام يوازي انتصار المعارضة السورية في الشمال والجنوب السوريين، كما يقول الوزير أشرف ريفي، فانه حاصل عبر الامدادات الحزبية المتورطة في تلك المعركة، والمتدفقة من بعض مناطق البقاع الشمالي، بالاتجاه السوري.

وبما أن التعرّض للأراضي اللبنانية من جانب المعارضة السورية، لم يحصل إلاّ في النزر اليسير، ومن خلال سقوط قذيفة شاردة أو صاروخ تائه وهذا ما أثار مخاوف بعض النواب، ومنهم النائب عاصم عراجي من ان تلجأ بعض الأجهزة الى استدراج الجيش اللبناني من خلال عمل أمني معيّن يستهدفه، ومن ثم اتهام المعارضة السورية به، ما يبرر لطالبي المؤازرة التأكيد والاصرار، بذريعة الدفاع عن النفس، والبادي أظلم.

وتتحدث مصادر نيابية عن سوابق كثيرة من هذا النمط في عالم المخابرات والأجهزة السرية، والتي غالباً ما تراهن على ردود الفعل المتسرّعة، بحيث لا يكتشف أصحاب العلاقة الدسيسة إلاّ بعد خراب البصرة.

هذه المخاوف لا تتناول جهة بعينها، فطبيعة الصراع الدائر في سوريا عموماً والقلمون خصوصاً، أوسع من مدى العناصر المتحاربة الظاهرة في الصورة، وأكثر تشعباً وتمدداً، ولا بد من أن يكون ضمن المكونات الظاهرة أو الخفيّة لهذا الصراع صاحب مصلحة في توسيع رقعة المعركة القلمونية، لتشمل لبنان، خصوصا وان عنصراً أساسياً فيه، هو حزب الله، ينطلق من لبنان!

ان الاصرار على جرّ الجيش الى هذه المعمعة، لا يحرجه وحده، بل يحرج لبنان الدولة المحاصرة

بمختلف عناصر الفراغ الدستوري والسياسي والمهددة فوق كل ذلك، بالفراغ الأمني، ما لم يتم التوافق على تعيينات قيادات جديدة، أو تأجيل تسريح القيادات العاملة، الى أن تفرج القوى الاقليمية عن رئاسة الجمهورية المعلقة على جدار المناورات السياسية والألاعيب الابتزازية.

واللافت في هذا السياق، ادراك مختلف الاطراف اللبنانية لواقع الحال، من حيث تحديد المصدر الخارجي للعلة، ومتابعة التواصل مع روافده الداخلية، كما لو ان ما يجري قدر غاشم يتعين التعاطي معه بمرونة ودراية، وتجنباً للمخفي أعظم…

ومثال ذلك تيار المستقبل، الذي رغم موقفه الحاسم من تدخل حزب الله في الحرب السورية، استجابة للمصالح الايرانية، فإنه متمسك بالحوار مع حزب الله، ولن يتأثر بأحداث القلمون ولا بما يجري في اليمن، كما يؤكد النائب أحمد فتفت المثال عينه في موقف القوات اللبنانية من الحوار الدائر مع التيار الوطني الحر، فالدكتور سمير جعجع يدرك، بل ويعلن بأن ايران وراء تعطيل انتخاب رئيس جمهورية لبنان، ومع ذلك يصر على متابعة الحوار مع العماد ميشال عون، رغم ان الأخير ضلع كبير في عملية التعطيل.

ويبدو أن هذا اللامعقول في السياسة اللبنانية، هو القاعدة الراسخة في السياسات الدولية، التي نعيش تداعياتها في لبنان، ونغوص في متاهاتها، عن حماس وطيبة خاطر…

وبحسب أحد الحكماء، فأنه في لعبة الأمم، لا يحرص اللاعب على النجاح أو تجنب الخسارة، بقدر ما يحرص على أن تبقى اللعبة مستمرة، وأن لا يخرج منها، ذلك أن توقفها يعني الحرب…

وتجنباً لما هو أسوأ من المراوحة في الحوار، تحرص الاطراف اللبنانية، المنغمسة في الصراع، أو المعترضة على المنغمسين، على مواصلة الحوار، ولو اكتفاءً بالصورة…

أوليس هذا هو القدر الغاشم بعينه؟