Site icon IMLebanon

التدمير من أجل التغيير

في الوقت الذي يضع التقرير السنوي للخارجية الأميركية حول الإرهاب العالمي، جمهوريةَ إيران الإسلامية في مقدمة الدول الراعية للإرهاب، تتحالف الولايات المتحدة الأميركية مع إيران وجمهورية روسيا الاتحادية ونظام بشار الأسد، في إبادة الشعب السوري، وتدمير مدنه وقراه، وتصدر الخارجية الأميركية بياناً يعدّ جماعةَ الحوثيين الإرهابية منظمة غير إرهابية، وتعمل أميركا على التمكين للأكراد السوريين ليقيموا كياناً هجيناً لهم في شمال شرقي سورية، يكون مصدر خطر دائم على السلامة الإقليمية لتركيا، والتجربة الأولى «بروفة» لإعادة رسم خرائط جديدة للمنطقة على أسس عرقية وطائفية وبرؤية استعمارية ماكرة.

فماذا نصدق إذاً، تقرير الخارجية الأميركية، أم الواقع على الأرض الذي ينطق بالحقائق التي تعلو فوق الشك؟ وهل الإدارة الأميركية تعمل من أجل السلام واستقرار الأوضاع في الإقليم حقاً؟ أم هي ضالعة مع روسيا التي تنافسها، لفرض الأمر الواقع من خلال تنفيذ سياسة التطهير الديموغرافي التي باتت واضحة المعالم؟ وكيف تكون إيران صاحبة المرتبة الأولى في سلم الدول الراعية للإرهاب، وتقبل الإدارة الأميركية التعاون معها، هذا التعاون الذي وصل إلى درجة التحالف في كل من سورية والعراق وفي غيرهما من دول المنطقة؟ أليس هذا الوضع الذي يتجاوز كل الحسابات المنطقية، بل يتعارض كلية مع القوانين الدولية، هو علامة منذرة بالأخطار الكثيرة التي تهدد الأمن والسلم والاستقرار في هذا الجزء من العالم؟

إن العالم أجمع يتابع في ذهول شديد، فصول المأساة الإنسانية في مدينة حلب السورية التي تدمر تدميراً ممنهجاً متعمداً وشاملاً، من طرف السلاح الجوي الروسي، وقوات نظام بشار الأسد، والقوات الإيرانية بأسمائها المتعددة والميليشيات التابعة لها، ومنها «حزب الله» اللبناني. كما يشارك تنظيم «داعش» الإرهابي في تحقيق أهداف نظام دمشق حتى وإنْ بدا في ظاهر الأمر أنه يحاربه. فليس صحيحاً أن حلفاء الأسد ثلاثة هم إيران وروسيا و «حزب الله». إنهم أربعة بإضافة الولايات المتحدة إلى القائمة. وهذا هو المصدر الرئيس للقلق المرعب الذي يهز الثقة في النظام العالمي الحالي، ويبعث على الشك في مصداقية مجلس الأمن الدولي الذي فقد أهليته ليكون صانعاً للسلام ما دامت الدولتان الدائمتا العضوية فيه، الولايات المتحدة وروسيا، ضالعتين في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية على الأرض السورية، حتى وإن ظهر الاختلاف في الشكل وليس في الجوهر بينهما، وأنهما تتعاونان مع تنظيمات إرهابية ودولة راعية للإرهاب.

إن ما تتعرض له مدينة حلب، من تدمير كاسح أتى على البشر والحجر والشجر، هو كارثة إنسانية وبيئية ومعمارية غير مسبوقة في التاريخ المعاصر، حتى في الحربين العالميتين الأولى والثانية. فحلب مدينة لها مكانة عالية في الحضارة الإسلامية، فهي إحدى أمهات المدن التاريخية. وفي سنة 2006 احتفل بها عاصمةً للثقافة الإسلامية، لما تزخر به من معالم أثرية متنوعة، وتراث علمي وثقافي متعدد المصادر، ولما كان لها من إبداعات متميزة في حقول الثقافة العربية الإسلامية والثقافات الإنسانية عموماً، التي شاركت في إغنائها شعوب شتى كانت تتوارد على مدينة حلب باعتبارها المحطة الأكثر تميزاً على طريق الحرير عبر العصور التاريخية المتعاقبة. فهل هذه مؤامرة دولية ضد الحضارة الإنسانية وبالذات الحضارة الإسلامية في بلد كان ولا يزال، متحفاً طبيعياً مفتوحاً لا نهاية لتنوعه المبدع؟ إن تدمير حلب يدق ناقوس الخطر، وينبئ بأن القادم سيكون أسوأ وأشد رعباً، فهي رمز الحضارة ومنبع الثقافة، تشكل مع رصيفتها دمشق، درتين من درر التاريخ الإسلامي المجيد.

ونحن لا نملك إلا أن نستغرب موقف الصمت الذي يلوذ به المجتمع الدولي إزاء الكوارث المنقطعة النظير التي تغرق فيها سورية، الدولة العضو المؤسس للأمم المتحدة، وللمنظمات الدولية التابعة لها، ولجامعة الدول العربية، ولمنظمة التعاون الإسلامي. فلماذا تصمت منظمات حقوق الإنسان الدولية، والقيادات الدينية والثقافية والنخب الفكرية والإعلامية في العالم كله، وتمتنع عن التعبير عن إدانتها الصريحة للأطراف المشاركة في تدمير حلب عاصمة الثقافة الإنسانية بامتياز، وتعمل في إطار جهود دولية مكثفة لوقف الحرب التدميرية الكاسحة التي تتعرض لها هذه المدينة التاريخية العريقة ويتعرض لها الشعب السوري بكل أطيافه؟

الواقع أن التقرير السنوي للخارجية الأميركية حول الإرهاب العالمي لسنة 2015، والتناقضات المحيطة به وما يجرى على الأرض، كل ذلك يثير الشكوك حول توجّهات أميركا وروسيا في شأن المنطقة، وأنهما تعملان في شكل متضامن لتغيير الخرائط، وخلط الأوراق، وإعادة بناء الإقليم على غير الأسس التي بني عليها بعد الحرب العالمية الأولى. وهنا يكمن الخطر الوجودي الكبير الذي لا يجب التهاون في مواجهته بكل الوسائل المتاحة.