مع كل ثورة حضارية يتغير العالم، وكذلك مناهج الدول العظمى وأساليبها في السيطرة على ثروات الكوكب، وعلى مقدرات الدول الأخرى المنتشرة على سطحه. والثورة الصناعية التي انطلقت من أوروبا احتاجت الى عدة قرون لتغيير وجه العالم. أما ثورة المعلوماتية التي انطلقت في أواخر القرن الماضي فقد نجحت في فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز عقدين ونيف، في إرساء قواعد عالم جديد يقوم على اختراق كل الحواجز بين الأمم والشعوب عن طريق التواصل الاجتماعي بوسائل الثورة الإلكترونية. ومن أطلق هذا الحدث الضخم كان الولايات المتحدة الأميركية، وتحديداً من علماء وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون الذين كانوا يشتغلون على ابتكار وسائل اتصال الكترونية سرية لوضعها في خدمة القوات المسلحة، وتطورت لاحقاً الى وسيلة مدنية للاتصال عبر الانترنت ومشتقاته. وكل من يبتكر جديداً، يصبح سلاحاً في يده!
***
كانت أميركا قبل ثورة المعلوماتية، تعتمد أساليب عديدة للسيطرة على العالم، وإخضاع الدول والأنظمة المعادية لها… ومنها، الحروب والحملات العسكرية، والغزو المباشر والاحتلال. أو التآمر بواسطة أجهزة الاستخبارات وأفرعها الأخطبوطية، لإسقاط الأنظمة من الداخل إما بالانقلابات العسكرية وإما بالفتن والحروب الأهلية، وإما بالحصار الاقتصادي، وإما عبر استخدام منظمة الأمم المتحدة باتخاذ قرارات أممية ضد الدول والشعوب والأمم المستهدفة، أو غير ذلك من الأساليب. وتمتلك أميركا اليوم أكبر مخزون من المعلومات في تاريخ البشرية عن طريق التجسس على العالم عبر الانترنت ووسائل الاتصال الاجتماعي والأجهزة الإلكترونية المعقدة… والمعلومات هي البند الأول في كسب الحروب!
***
تأقلمت أميركا سريعاً مع الثورة الجديدة، وغيّرت أساليبها في السيطرة على العالم، ولم تعد في حاجة الى إسقاط الأنظمة بشنّ الحروب العسكرية المباشرة، وانما عبر اعتماد خشونة الإسقاط بالأساليب الناعمة. وأكثر من ذلك، لم يعد الهدف إسقاط النظام المعادي أو حمله على تغيير سلوكه، وانما أصبح الهدف إسقاط أمم بذاتها وتدميرها، بدلاً من إسقاط أنظمتها. وهذا ما تفعله أميركا اليوم بتدمير العرب كأمة، وليس الاكتفاء بإسقاط أنظمتهم! وما يساعدها على ذلك أن نفراً من حكام الأمة هم من الحمقى وليس من الحكماء!