الأوراقُ الثبوتية هي ما يحتاجها النازحُ السوري للعودة إلى بلاده. بطاقتُه الشخصية أو باسبوره. من دونها لا يُمكن النازح أن يعودَ إلى سوريا. فماذا عمَّن فقد هويّتَه الثبوتية الورقية مثلما فقد هويّتَه الإنسانية والوطنية على طريق الدمار والذلّ، نازحاً من موطنه نحو الغربة؟ وماذا عمَّن لا يملك 300 دولار أميركي، الرسم المفروض من السفارة السورية للاستحصال على باسبور؟ ومَن يعتاش على 27$ من برنامج الأغذية العالمي كمساعدة غذائية لكل فرد شهرياً، كيف يؤمّن الـ300 دولار له ولكلّ فرد مِن عائلته؟
مع بداية السنة الدراسية ضعُف إقبالُ النازحين السوريين على تقديم الطلبات وتسجيل أسمائهم للعودة إلى سوريا، في المكاتب التي أنشأها «حزبُ الله» لهذه الغاية. سببٌ يُضاف إلى أسبابٍ عدة تُخفِّف من الحماسة للعودة إلى ربوع الوطن: اللاإستقرار السياسي ـ الأمني، الدمار، فقدان عدد كبير من النازحين منازلهم وأعمالهم وخسارتهم أفراداً من عائلاتهم، خوفُ المعارضين من تعرّض النظام السوري لهم، عدم تشجيع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المنتحدة على العودة وعدم ضمانها سلامة العائدين وأمنهم، الحصول على مساعدات وتأمين «لقمة العيش» في البلدان المضيفة… والـ300 دولار ليحصل السوري على بطاقاته الشخصية.
إلى ذلك، ليس كلُّ سوريٍّ يرغب بالعودة إلى الديار ينال مطلبه. إن كانت العودة مؤمّنة من خلال «الأمن العام» أو «حزب الله» أو جهات أخرى، فهي لا تتمّ إلّا بعد نيل موافقة الحكومة السورية ورضاها. فتُرسَل لوائحُ الأسماء إلى الحكومة السورية، يُجرى تدقيقُها ومن ثمّ إعطاء طالبي الرجوع إلى الوطن بركة العودة أو حرمانهم من «حقٍّ بديهيّ».
هكذا يستحصلُ على أوراقه
السفارة السورية في لبنان، تؤكّد لـ»الجمهورية»، أنّ «هناك تسهيلاتٍ لحصول كلّ مواطن سوري موجود في لبنان على أوراقه الثبوتية ولإجراء معاملاته القانونية، بغض النظر إن كان مُسجَّلاً كنازح أم لا».
ومَن لا يملك أوراقاً ثبوتية كيف يستحصل عليها؟
يجيب مسؤول في السفارة: «عليه أن يستحصل على إخراج قيد من سوريا. أيّ شخص من أقاربه يمكنه أن يستحصلَ له على إخراج قيد من الدوائر المعنية، أو يُمكنه الاستحصالُ على باسبور من السفارة السورية، وللحصول على باسبور يجب على السوري أن يقدِّم أوراقه الثبوتية وأن تكون مُصدَّقة من وزارة الخارجية السورية للتأكد من أنها غير مزوَّرة، وأن يدفع رسوم الاستحصال على باسبور من السفارة وتبلغ قيمتها 300 دولار أميركي».
في هذا الإطار، يُركِّز وزير الدولة لشؤون النازحين في حكومة تصريف الأعمال معين المرعبي عبر «الجمهورية»، على «أنّ هذا المسارَ الإجرائي وتكلفة الـ300 دولار من أبرز المعطيات التي تؤكّد أنّ النظام السوري لا يريد عودة جميع النازحين».
كذلك، يسأل: «لماذا نرسل لوائح بأسماء الراغبين بالعودة إلى النظام السوري؟ لماذا نعطيه هذا الحق؟ ومَن رفضهم ماذا نفعل بهم؟ لماذا يطلب «حزبُ الله» من صديقه وشريكه النظام أن يحدّد المناطق الآمنة وأن يتوجّه إلى جميع السوريين ويدعوهم للعودة إلى هذه المناطق ومن دون تسجيلٍ مُسبَق؟ وعلى أيِّ أُسس يرفضون عودة مواطنين سوريين؟ وإن كان النازحُ مطلوباً فهو إبن سوريا لا لبنان، وحين يعود فليحاكموه أو يسجنوه».
مصادر «حزب الله» الذي يعمل على هذا الملف، توضح «أنّ النظام السوري لا يرفض أكثر من نسبة 1 في المئة من أسماء الراغبين بالعودة والتي يرسلها الحزب ضمن لوائح بعد تسجيلها في المكاتب التي فتحها لهذه الغاية، وذلك بسبب أحكام معيّنة».
وماذا عن تعرُّض النظام السوري لعددٍ من العائدين؟ تؤكّد المصادر لـ»الجمهورية»، أنّ «النظام لا يتعرّض للعائدين مثلما يُسوِّق البعض». وتسأل: «هل يُمكن أن يُخفى تعرُّض النظام للنازحين العائدين، لو كان يحصل هذا الأمر فعلاً لـ»قامت القيامة». وترى أنّ «كل هذا الكلام يأتي في سبيل التهويل والمعارك السياسية التي لا نعرف إلى أين ستوصِل»، مشددةً على أنّ «هذه الأزمة تتخطى الطوائف والمذاهب، فعددُ النازحين الموجود أكبر من طاقة لبنان على احتماله ما يُسبّب أزمةً إقتصادية، على صعيد فرص العمل والبنى التحتية».
ما هو الحلّ؟
حلّ هذا الملف، بالنسبة إلى «حزب الله» يكمن في «اتّخاذ الحكومة اللبنانية قراراً واحداً موحَّداً، تلتزم به، ويكون سلاحُها الذي يؤيّده رئيسُ الجمهورية وغالبيةُ القوى السياسية، وحينها يمكننا مواجهةُ الجميع والمجتمع الدولي من منظمة الأمم المتحدة إلى كل الدول والمنظمات والمجتمعات، بهذا القرار الذي يقضي بإعادة النازحين، فهذا بلدنا ونحن أعلم بمصلحته، وإنّ مصلحة بلدنا ومصلحة النازحين أن يعودوا إلى بلدهم».
أما تيار «المستقبل» المُتَّهم بعدم حماسته لإعادة النازحين، فتوضح مصادره لـ»الجمهورية»، أنّ «المطلوب إعادة أكثر من مليون ونصف مليون نازح سوري وليس 50 ألف نازح»، غامزة من قناة الحزب الذي تعتبر أنه «ينتقي المجموعات التي لا مشكلة لدى النظام بإعادتها إلى سوريا. ويقوم بدعاية و»بروباغاندا» بأننا قادرون على إعادة النازحين بالتفاهم مع النظام السوري، فيما أنّ المشكلة الأساسية للبنان ليست في إعادة 50 ألفاً أو 100 ألف أو حتى نصف مليون، بل إنّ المشكلة تكمن في أن يعودوا جميعُهم». وتؤكّد أنّ «المستقبل» يهمّه أن «تتحقق عودة النازحين، وليس هدفه عرقلة هذه العودة أو
إعاقتها، بل يتمنى أن يأخذ كل سوري قرارَ العودة على عاتقه، لكن لا يمكننا نحن أن نجبرَه على العودة».
وتذكّر المصادر، أنّ حسب اتفاقيات الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين في جنيف، لا يُمكن للدولة وفق القانون الدولي أن تجبرَ لاجئاً على المغادرة والعودة إلى بلاده، إلّا إذا كانت متوافرة كل الظروف التي تؤكد أنّ سلامته مضمونة. وحتى الآن الأمم المتحدة تقول إن لا ضمانات لعودة النازحين إلى سوريا.
وتسأل: «لنفرض أنّ الدولة اللبنانية قرّرت خرقَ الاتفاقات والخروج من المعاهدات، وأنها اتّخذت قراراً اليوم بإجبار النازحين على العودة، فكيف يمكنها تحقيقُ ذلك؟ يوجد مليون ونصف مليون سوري في لبنان، إن كانوا لا يريدون العودة، ماذا نفعل في هذه الحال، هل نقتلهم؟ هل نطلب من الجيش والقوى الأمنية استهدافهم بالرصاص؟ هل نقتل 100 ألف نازح منهم ليرتعبَ الباقون فيخافوا ويفرّوا؟ أم أنّ المطلوب الدخول باشتباك معهم؟».
وترى أنّ «الأمر الوحيد الذي يجعل النازحين يعودون بنحوٍ كامل، هو تغيير النظام أو تسوية سياسية تضمن حقوق السوريين وحريتهم وحياتهم، وإعادة الإعمار. فالسوري الذي تدمّر منزله ولا مكان يسكن فيه، إلى أين سيعود؟». كذلك ترى أن «لا مؤشرات سورية أو روسية أو دولية توحي بأيِّ عمل أو سعي لتأمين العودة، أقلّه في الوقت الراهن».
متابعون لهذا الملف يعتبرون، «أننا قد ندفع ثمن خطأ الدولة اللبنانية وطلبها من مفوضية اللاجئين التوقف عن تسجيل النازحين السوريين في 2014، فهناك فارق بين أن نقول للمجتمع الدولي أنّ هناك مليونَ نازح سوريّ أو مليونين مسجّلون، إضافةً إلى عدم إنشاء مخيمات على أراضي بين عكار والبقاع تكون لائقة بكرامة النازحين وتنظِّم وجودَهم وسكنهم في لبنان في الوقت نفسه من دون أن يؤثر النزوح على البلد ديموغرافياً – اجتماعياً – اقتصادياً – سياسياً». وإذ يشيرهؤلاء إلى أنّ لبنان لا يختلف مع المجتمع الدولي على الهدف النهائي، وهو عودة النازحين إلى سوريا، يُشدّدون على «أننا نختلف على «الوقت» أو توقيت عودتهم وهو العامل الأساس بالنسبة إلى لبنان، الذي لا يُمكنه الانتظار إلى 10 سنوات أو 15 سنة».