Site icon IMLebanon

تفاصيل الإجتماع الأميركي مع فصائل سورية معارِضة حول البوكمال

 

تدشّن معركة البوكمال مرحلةً جديدة من سباق الإقليميين والدوليين على تقاسم النفوذ في سوريا. قبلها كان السباق جارياً للسيطرة على مخزونات الطاقة (الغاز والنفط). ومع بدء معركة البوكمال، يكون بدأ السباق، خصوصاً بين إيران وأميركا للسيطرة على الممرّات الاستراتيجية والعقد البرّية التي تربط بين طرق دول المنطقة الحدودية.

متعدّدة هي الأسباب التي تحدو بالمراقبين الى تسليط الضوء على هذه المواصفات لمعركة البوكمال، وكان آخرها إعلان الناطق باسم التحالف الاميركي، أمس الأول أنّ واشنطن طلبت من «الجيش السوري الحر» الانخراط في معركة السيطرة على البوكمال.

وإثر هذا الإعلان الأميركي الذي رافقته معطيات ميدانية وسياسية أخرى، بات السؤال المطروح حالياً بملامح استراتيجية، هو مَن يسبق الآخر في الوصول الى البوكمال: أميركا وحلفاؤها؟ أم إيران وحلفاؤها؟

ومن وجهة نظر المعارضة السورية وحلفائها العرب، فإنّ وقائع سلوك الدعم الذي ستقوم به اميركا الايام التالية، لـ»الجيش الحر» للوصول الى البوكمال، ستبيّن ما إذا كانت التصريحات السياسية الأميركية حول منع تمدّد إيران في المنطقة جدّية، ولها ترجمتها العملية على الارض، أم إنها مجرد بالونات كلامية للاستهلاك السياسي كما هو حاصل منذ فترة؟

وحصلت «الجمهورية» من مصادر في المعارضة السورية على القصة الكاملة للطلب الأميركي من فصائل عسكرية سورية معارَضة بدء التحضير للانخراط في معركة البوكمال، ومفادها، أنّ واشنطن اتّصلت قبل ايام بالفصائل العسكرية السورية المعارضة الوازنة، التي كانت فرضت عليها خلال الفترة الاخيرة، تجميد عملياتها العسكرية لأنها رفضت طلبها التفرغ لقتال «داعش» وعدم مقاتلة النظام.

وأبرز هذه الفصائل «اسود الثورة» و«احرار العشائر» و»قوات عبده» وغيرها. وبحسب هذه المصادر فإنّ واشنطن أعادت الحرارة فجأةً الى قنوات الاتصال مع هذه الفصائل، حيث طلبت منها بدء التحضير لمشاركتها في معركة البوكمال، والهدف الأميركي من ذلك منع إيران من الوصول الى هذه المنطقة خدمةً لهدفها الاستراتيجي بقطع أذرع تمدّدها في منطقة المشرق، وكبح طموحها الخاص بإنجاز ربط ممرّها البرّي الممتدّ من طهران الى شواطئ المتوسط في لبنان عبر العراق وسوريا.

وتشكّل البوكمال عسكرياً ما يصطلح الاستراتيجيون على تسميته «نقطة التقاء» نهر الفرات مع الحدود العراقية وتُعتبر همزة الوصل التي تُفتح لإيران في حال سيطرتها عليها، شريان التمدّد الإستراتيجي الأرضي. وفي توصيف استرايتجي آخر لها، تُعتبر البوكمال «رأس المثلث» الواقع بين نهر الفرات والحدود السورية مع العراق، وهي تأخذ بعداً استراتيجياً يضاهي البعد الاقتصادي المتأتّي من اهمية اتصالها بالبادية خزان الطاقة في سوريا.

ولقد وضعت واشنطن، بحسب المصادر عينها، امام الفصائل السورية رؤيتها لمعركة ضرورة السيطرة على البوكمال، وهي تقع في مرحلتين: مرحلة أولى ذات مدى منظور وتتمثّل بأن يسبق «الجيش الحر» النظام بغطاء جوي اميركي الى البوكمال والسيطرة عليها قبل إيران وحلفائها. والمرحلة الثانية ذات مدى بعيد ويرمي الى عزل إيران في سوريا وإخراجها منها.

وخلال نقاشات هذا العرض الأميركي طرحت فصائل المعارضة السورية أسئلة حول السبب الذي يجعل واشنطن تمتنع عن إيكال هذه المهمة الى حليفها الموثوق لديها وهو حزب «الاتحاد الديموقراطي» الكردي.

وشرح الردّ الاميركي أنّ حزب الاتحاد لا يمكنه أن يكون حليفاً استراتيجياً لأميركا موثوقاً به في موضوع محاربة إيران في سوريا، وذلك لسببين، اولهما «موضوعي» وهو أنه «لا يستطيع ذلك» لأنّ كثيراً من تشكيلاته المقاتلة ضمن «قوات سوريا الديموقراطية» («قسد») تتبع بولائها كرد جبال قنديل الذين توجد لديهم مصالح مع إيران.

والثاني لأنه «لا يرغب بذلك» لأنه لا يريد القضاء على تحالفاته لا مع إيران، ولا مع روسيا التي زار ضباط من قاعدتها في حميميم القامشلي أخيراً، ولا ايضاً مع النظام الذي أجرى تفاوضاً سرّياً معه تضمّن وعداً بإقامة حكم ذاتي لا كانتوناً انفصالياً للكرد في سوريا. وخلاصة وجهة النظر تفيد أنّ حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي لن تكون له فائدة ضمن المدى الثاني من خطة اميركا لعزل إيران في سوريا مقدَّمة لإخراجها منها، لأنها تتوقع أن يحافظ على قنوات اتّصاله بإيران.

واستناداً الى المعطيات المسرَّبة عن هذه النقاشات، فإنّ واشنطن ترى أنّ إيران ومعها الغطاء الجوّي الروسي وحلفاؤها والجيش السوري لن يكون في إمكانها الوصول الى البوكمال خلال ايام قليلة، كون الجيش السوري لا يزال بعيداً نسبياً عنها، بينما «الجيش الحر» يمكنه الوصول اليها في ايام انطلاقاً من منطقة «الزاكم» وعبر الافادة من غطاء جوّي أميركي كثيف، وأيضاً عبر إبرام تفاهمات مع «داعش» الموجودة على طريقه اليها، تكرّر تفاهمات «قسد» مع داعش التي اسفرت عن سيطرة الاولى على اكبر ثلاثة حقول نفط في ريف دير الزور نتيجة انسحاب «داعش» منها بلا قتال.

وتقول الفكرة التي طرحتها واشنطن في هذا المجال – ودائماً بحسب ما نقلته مصادر المعارضة – إنّ مقاتلي «داعش» الموجودين الآن في ريف دير الزور الشرقي هم ابناء العشائر الذين والوها، بينما قوة «داعش» الصلبة انسحبت من المنطقة، وعليه فإنه يمكن انتاج تفاهمات مصلحية مع هؤلاء المقاتلين الدواعش، تؤدي الى انسحابهم من مناطق واسعة في الريف الشرقي لدير الزور، ما يتيح لـ»الجيش الحر» التقدم بسرعة نحو البوكمال.

لا يوجد اجماع داخل المعارضة السورية على تصديق خطة اميركا التي تشي بأنها ستبدأ انطلاقا من البوكمال حربها على الارض ضد التمدد الإيراني وتوغّله في سوريا والمنطقة. ففي مقابل تفاؤل يسود بعض الفصائل العسكرية يسود إعتقاد لدى القيادة السياسية للمعارضة أنّ دعوة الناطق باسم التحالف الاميركي «الجيش الحر» الى المشاركة في معركة البوكمال تعكس تغييراً جزئياً في سلوك اميركا تجاه الاخيرة وتجاه «قسد»، وسببه أنّ واشنطن تحاول توجيه رسالة الى روسيا تفيد أنّ عليها الكفّ عن التدخّل في الساحة الكردية السورية المحسوبة على اميركا، وإلّا فإنّ واشنطن ستعيد إحياء معارضة «الجيش الحر» للنظام وستستخدمه لعرقلة مسار الجيش السوري الذي يدعم موسكو نحو البوكمال.

اضافة الى أنّ أميركا تريد دوراً محصوراً لـ«قسد» في معركة مدينة البوكمال، لأنها لو سمحت لها بالسيطرة عليها، فتصبح مساحة سيطرة حزب الاتحاد الديموقراطي بين 30 الى 35 في المئة من اراضي سوريا، ولأصبحت بفعل سيطرتها على البوكمال بعد الرقة تتمدّد فوق منطقة واسعة كل سكانها عرب، ما سيثير حساسيات عرقية في المنطقة، اضافة الى إثارة حفيظة تركيا التي على رغم فتور علاقتها مع أميركا فإنّ الاخيرة لا تريد «كسرَ الجرّة» معها.

خلاصة القول إنّ الأيام القليلة المقبلة ستُظهِر ما إذا كانت واشنطن بدأت فعلاً صدامها بالواسطة مع التمدّد الإيراني في سوريا. وإنّ مجريات معركة السباق للوصول الى البوكمال سترسم الاجابة الشافية عن هذا السؤال.