أبطلت المحكمة العسكرية برئاسة العميد حسين عبدالله التعقبات بحق المقدّم في قوى الأمن الداخلي سوزان الحاج بجرم التدخّل، بعدما اختتمت محاكمة المقرصن إيلي غبش في قضية فبركة تهمة العمالة للمسرحي زياد عيتاني. أمس كان للقضاء كلمة الفصل، في قضية شكّلت أحد أوجه التنافس المحموم بين الأجهزة الامنية، محاولاً ترميم الصورة المتصدّعة، والثقة المتزعزعة بالدولة وأجهزتها، نتيجة التجاذبات السياسية وتشظي جسم الوطن على المستويات كافة.
بعدما أُطلق سراح الممثل المسرحي زياد عيتاني في آذار 2018، حكمت المحكمة العسكرية أمس بحبس المقرصن غبش سنة وإدانته بالافتراء، فيما البراءة للحاج بأكثرية 3 من 5 أعضاء من المحكمة.
وفيما انشغل المراقبون في احتساب نقاط السباق القائم بين الأجهزة الأمنية لصالح من، أو إذا كان من تعادل سلبي أو إيجابي، كان لعائلة الحاج حسابات أخرى.
بحسب زوج المقدّم الحاج ووكيلها المحامي زياد حبيش في حديث لـ«الجمهورية»: «الله كبير»، مشيراً إلى «اننا على مسافة يوم من انتهاء الشهر المريمي، وفي يوم خميس الصعود، فلا بدّ من أن تُستجاب صلوات أولادنا في المنزل، لأننا والحق أكثرية».
أما بالنسبة إلى وكيلها النقيب رشيد درباس، فأعرب في حديث لـ«الجمهورية» عن امتنانه لصدور الحكم، قائلاً: «انّها المرّة الاولى التي أترافع فيها منذ 25 عاماً، وبعد غيبة طويلة وجدت الجلسة مميزة والحكم عادلاً بغض النظر عن التعليل القانوني، وكمحامٍ تهمّني النتيجة وليس التعليل، نظراً الى انّ الحكم النهائي لصالح موكلتي». وأضاف: «هناك قاعدة أساسية أودّ التذكير بها، «إذا كان القلم مقيّداً، فانّ اللسان حر طليق»، والقاضي جرمانوس طبّق هذه القاعدة، لذلك أحيّي القول الحرّ وجرأته بطلب البراءة لموكلتي. لذا لحظة جئت لأخاصم الحق العام وجدت الحق العام صديقاً». وأكّد درباس، «انّ الحاج أصرّت عليه ان لا يسيء للجهاز الذي تنتمي إليه، فقد أفنت شبابها وخبرتها فيه»، مشيراً «إلى انّ التسابق بين الأجهزة الامنية مطلوب ومشروع ولكن شرط هيمنة سلطة عليا إسمها وحدة السلطات، ونحن مدينون لاستقرار البلد لهذه الأجهزة شئنا أم أبينا».
في التفاصيل
إفتتح عبدالله الجلسة عند الساعة 11 وعشر دقائق، في حضور مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس شخصياً وللمرة الأولى. وحضرت الحاج ببزتها العسكرية الرسمية مع وكلائها النقيب رشيد درباس ومارك حبقة وزياد حبيش، وحضر مع المتهم ايلي غبش وكيله المحامي جهاد لطفي.
في مستهل الجلسة، توقّف العميد عبدالله عند التغطية الإعلامية التي ركّزت على الأموال التي دفعها جهاز أمن الدولة للمتهم غبش، وأوضح، أنّ «الأجهزة الأمنية لديها مخصصات مالية لتدفع منها للمخبرين مقابل الحصول على معلومات، خصوصاً في قضايا التجسس لصالح إسرائيل».
جرمانوس شخصياً…
بعدها، ترافع بداية مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس، قبل أن يطلب كفّ التعقبات عن المقدّم الحاج لعدم توفّر العناصر الجرمية بحقها، وإنزال أشد العقوبات بحق غبش، قائلاً: «انت قلتلي مبسوط عند المعلومات خليك عندن!».
وأبرز ما جاء في مرافعة جرمانوس: «كان من الضروري انو احكي وقول كيف تدرّجت الأمور»، مقدّماً «بروفيل» عن كل من زياد عيتاني وإيلي غبش وسوزان الحاج»، مشيراً إلى «انّ النيّة لم تكن في توقيف المسرحي زياد عيتاني، إلّا أنّ التسابق بين الأجهزة الأمنية يُتعبنا، وعدم التنسيق بين قوى الأمن الداخلي وجهاز أمن الدولة أدّى إلى توقيف عيتاني». وأضاف: «أمام هذا الواقع الضاغط قرّرت استجواب عيتاني شخصياً لضمانة تعميق التحقيق، فتوجّهت إليه ووجدته مضطرباً، وعرّفته عن نفسي، وطلبت له القهوة والسجائر، في محاولة لتهدئة روعه، فسرد قصة متكاملة، مترابطة، نحو 45 دقيقة لم يفوّت أي تفصيل دقيق بينه وبين الضابطة الاسرائيلية».
وأشار جرمانوس الى أنّ «جهاز أمن الدولة كان يراقب عيتاني من خلال تغريدتين له على «تويتر»، إحداهما إثر توقيف الممثل زياد دويري، وأخرى عبّر فيها عن عدم معارضته التطبيع مع إسرائيل»، لافتاً الى أنّ «أول من تحدّث عن فبركة ملف عيتاني هو اللواء اشرف ريفي، عندما أعلن أنّ المقصود بهذه الفبركة مستشاره الإعلامي زياد عيتاني وليس الممثل».
وفي حديثه عن غبش، قال جرمانوس: «هو شخص أمني من الطراز الأول، رجل غير عادي، يتنقل بين الأجهزة، يحمل بطاقة عامل نظافة، بينه وبين أمن الدولة 11 ألف رسالة عبر الهاتف، وما نعرفه عنه حتى الآن انّه فبرك تهمّة العمالة لإسرائيل لخمسة أشخاص. إعتبر نفسه روبن هود وهجم على موقع انطون الصحناوي، وغيره من المواقع. فهو يستسهل فبركة ملف عمالة».
وعن «بروفيل» الحاج، قال جرمانوس: «بعيداً من التعليقات الجندرية، تعرّضت الحاج لمشكلة مع قيادتها في العمل. صدرت فكرة فبركة ملف العمالة لعيتاني من عند غبش الذي قد يكون قارب جهاز أمن الدولة والمقدّم الحاج في آن معاً في ملف عيتاني. غبش خلق الفكرة الجرمية، وهو ليس بحاجة الى أن يأخذ إرشادات من الحاج. أما ان يكون للحاج دوافع أخرى، فهي لم تدفع له المال ولم تساعده، وأقصى ما يمكن أن يكون انّه أخبرها بعمله مع أمن الدولة و«صارت تتفرج» وهذا لا يُعتبر تدخّلاً، وهي لم تكن متفرّجة محترفة، وفي آخر رسائل غبش لها عن توقيف عيتاني، سألته ببساطة: «أي زياد موقوف؟».
ويضيف: «التفرّج» لا يشكّل عنصراً من عناصر التدخّل، وغبش لديه سوابق في فبركة العمالة، لذا أطلب إدانته وإبطال التعقبات عن الحاج لعدم وجود جرم».
بعدها ترافع وكيل غبش المحامي جهاد لطفي فأكّد أنّ «الجرم الذي اقدم عليه غبش لا يشكّل جرماً يُعاقب عليه القانون. واصفاً اعترافات عيتاني المتعلقة بكوليت انّها ليست مسرحية على الإطلاق، وكان الأجدى بالنيابة العامة ان تدّعي عليه في هذه القضية، بجرم تضليل التحقيق». وخلص الى طلب إعلان براءته.
درباس: لا نخاصم أي جهاز
وترافع درباس عن الحاج، وتبنّى مطالعة جرمانوس وزميله لطفي، معتبراً «أننا أمام جريمة بدون جسد، وعندما يذهب الجسد فانّ الصلب مستحيلاً، وأنّ الإحالة باطلة لانتفاء جرم الافتراء»، مؤكّداً «نحن لسنا في خصام مع الأجهزة الأمنية بل مع الحق العام، لكن تبيّن أنّ الحق العام صديقنا، بعدما سمعنا مرافعة القاضي جرمانوس، لكنني أخاصم الآن إحالة موكلتي على المحاكمة في هذه القضية». ورأى أنّ «التدخّل في جرم الافتراء الجنائي المنسوب الى المقدّم الحاج، لا يكون افتراضياً، لأنّ مجرّد المعرفة بارتكاب جريمة لا يشكّل جريمة».
ولفت درباس، إلى «انه حين ألقى أمن الدولة القبض على عيتاني وجد في منزله قطعة من الحشيشة، وسرّ الكلام والتفاصيل يكمن في هذه القطعة، وأستغرب لماذا تمّ تجاهلها». واعتبر «انّه كان من الأجدى انهاء استجواب عيتاني قبل توقيف غبش والحاج». وأكّد درباس أنّ «كل المعطيات الفنية تؤكّد وتثبت أنّ موكلتنا أبلغت لاحقاً بتجهيز ملف وشبهة بحق زياد عيتاني، ولم يكن لديها أي علم مسبق بالأمر، ولم تُقدم على أي نشاط أو مساعدة بالملف، وبالتالي لا تحاسب عن أفعال ارتكبها غيرها».
وترافع حبقة عن الحاج مشيراً إلى «انّ غبش اكّد انّ الحاج لم تطلب يوماً منه فبركة ملف العمالة لعيتاني، حين قال انّ اتصاله بأمن الدولة هو الذي ولّد فكرة التواصل مع العدو».
وعند الواحدة وعشر دقائق بعد الظهر رُفعت الجلسة، وانصرفت هيئة المحكمة الى غرفة المذاكرة وباشرت دراسة الملف إلى ان صدر الحكم قرابة الخامسة عصراً.
صدور حكم براءة الحاج بأكثرية 3 من 5 أعضاء المحكمة، وتصويت ضابطين في قوى الامن الداخلي ضدّه، هما جهاد عويس ووسيم أبو الحسن، يؤكّدان، انّ القضية وان انتهت، فصراع الأجهزة قد يدخل مرحلة جديدة.