يُسعد «الكتائبيون» لوصف موقع حزبهم بـ «الوازن» على ضفاف المعادلة السياسية الداخلية. وإذا كان الحزب لا يزال يصنف بين قوى «14 آذار»، وهو تصنيف لا ينفيه هؤلاء، إلا ان «الكتائبيين» يؤكدون ان لا موقع ثابتا للحزب «إلا في اطار ثوابتنا الوطنية ومبادئنا التاريخية، أكان في 14 أو 8 آذار أم في الوسطية»، على حد تعبير الوزير سجعان قزي لـ «السفير»، «إذ إن كل الذين راهنوا على تغيير الحزب، تغيروا هم ونحن لم نتغير».
يستمد الحزب ثقته بنفسه من تاريخه. هو يعتبر نفسه «الوالد الشرعي» لحاملي الراية على صعيد الشعارات المستخدمة من «سيادة واستقلال وحرية وكرامة» وغيرها.. ولعل الحزب يشعر اليوم بمحاولة تهميشه، خاصة على الساحة المسيحية التي يستقطبها «التيار الوطني الحر» و«حزب القوات اللبنانية»، وهما يشرعان في حوار مادته الأساس رئاسة الجمهورية، ما يستفز القاعدة الكتائبية التي تشعر بمحاولة تخطي مرجعية كالرئيس أمين الجميل الذي تعتبره الأحق بالرئاسة.
والواقع ان الجميل التف على هذه المحاولة بالمساهمة في إطلاق «اللقاء التشاوري». وشعور الجميل بالتهميش دفعه أيضاً إلى «بق البحصة» أمس بدعوته الضمنية الى العماد ميشال عون وسمير جعجع لعدم تغييبه عما يجري الاتفاق عليه. ذلك هو تحليل الشارع، لكن قزي ينفي ذلك، ويؤكد ان الجميل ينطلق بمقاربته لذلك الحوار من المبادئ التالية: أولاً، التأييد الكبير للحوار. ثانياً، عدم قدرة الحوار الثنائي على انتاج مرشح للرئاسة بمعزل عن مشاورة الآخرين، وكما أطلع «الكتائب» الحلفاء على حوارات سابقة مع «التيار الحر» وتيار «المردة»، فإن من المستحسن أن تطلع «القوات» حزب «الكتائب» على ما يجري. ثالثاً، لم ينتج هذا الحوار أي خرق ملموس، وإذا كان الطرفان يبحثان عن غسيل قلوب، بماذا نسمي المصالحة بين الطرفين العام 2005، عندما زار عون جعجع في سجنه؟ إذا، كم «غسل قلوب» سيجريه الطرفان على مدى علاقتهما، علما ان لا خلاف عقائديا بينهما؟
ولكن ماذا عن «اللقاء التشاوري» الذي يضمه الى الرئيس ميشال سليمان؟ وهل أعلن الجميل نفسه وسطيا أخيرا؟
المسألة بسيطة بالنسبة لقزي «إنه رد على الشغور الرئاسي»، وجاء ليطلق «جرس إنذار» الى ان البلاد من غير الممكن ان «تكون رهينة الصراع بين المكونات الداخلية، إضافة الى المحاور الخارجية». ويتابع: «إنه خيار جديد يأخذ بعين الاعتبار اللحظة السياسية التي يميزها عدم انتخاب الرئيس، وبات الخلاف يتجاوز المرشح، بل أصبح يتمحور حول مستقبل الدولة. ومكمن الخطورة هنا، حسب قزي، «في وجود مشاريع لإعادة النظر بالنظام اللبناني، وحتى بالتركيبة الجغرافية الحالية للبنان من قبل أطراف عربية وإقليمية. في ظل هذا المشهد، من غير الممكن التوصل الى انتخاب رئيس للجمهورية».
في ظل هذا الفراغ، جاء الخلاف حول آلية التصويت في الحكومة. ومع طرح الرئيس تمام سلام لتغيير الآلية، لتتحول الى التصويت، بات من الواضح ان الأمر يصطدم بالرفض المسيحي على ضفتي المعادلة السياسية. إذ هل بات الخلاف الحكومي هو الأولوية التي تتفوق على الفراغ الرئاسي؟ وهل ان حل الآلية يساعد في انتخاب رئيس جديد؟
ينطلق قزي في مقاربة «الكتائب» للموضوع الحكومي من العناوين التالية:
التأييد الكامل لسلام، الرجل الأفضل للحكومة في هذه المرحلة، والذي يحتفظ بعلاقة طيبة مع الجميع.
إيلاء استقرار الحكومة الأولوية لما تشكله من ضرورة وطنية ودستورية، ونحن نعارض عرقلة عملها.
تسيير الحكومة لأعمال الدولة في غياب الرئيس، من دون تغيير آلية موافقة الوزراء، لكن مع التزام أدبي من قبل الجميع بعدم الكيدية والنكايات لحسابات مناطقية مثلا.
في هذا الأمر، يسجل موقف متمايز لـ «الكتائب» والمسيحيين في «14 آذار»، عن شريكهم المسلم كتيار «المستقبل» على سبيل المثال. وفي الحديث عن «14 آذار» التي تقترب من الاحتفال بالذكرى العاشرة لتأسيسها، في جعبة «الكتائب» الكثير من التحفظات على أداء الآذاريين.
أين «14 آذار» من «ثورة الأرز»؟. سؤال يطلقه قزي الذي يذهب الى التلويح بأن «14 آذار» لا يمكن ان تستمر اذا لم تفعّل عملها وديناميكيتها. المطلوب اذا تفعيل المشروع الوطني الكبير وإقامة تحالف حقيقي، متوازن، بعيدا عن الفوقية في التعاطي.
في فم قزي الكثير من الماء حول الأداء الآذاري. واعتراضاته من حيث الشكل، لا تخفي موضوعا اعتراضيا أساسيا على قوى آذارية كبرى وهو موضوع سوريا.
ثمة خلاف جوهري بين «الكتائب» وآخرين حول الموضوع السوري. «تلهت 14 آذار بالثورة السورية وساحة المرجة بدل ثورة الأرز وساحة الشهداء»، يقول قزي الذي يرفض اختزال موقف الافرقاء كافة بمحاولة إسقاط النظام في دمشق. لا يجد «الكتائب» مبررا للدخول طرفا في شأن يقرره السوريون. «موقفنا سيادي في الامن والسياسة»، ويسأل قزي: «ما هو دخلنا اذا قرر السوريون الإبقاء على نظامهم أو الثورة عليه؟».
يأتي تحذير «الكتائب» في ظل ما يسميه قزي «الفترة الزمنية الاستراتيجية التي يجب علينا كلبنانيين تحصين بلدنا منها وعدم ربط مصيرنا بها». مرد الاخطار «كون ما يحصل في المنطقة من كوارث قد يمتد الى لبنان.. العام الحالي أو المقبل». هي مرحلة يشبهها قزي بـ «حرب السنتين» في بداية الحرب اللبنانية العام 1975، أو العام 1982، أو في مرحلة الوجود السوري في لبنان..
باختصار: «المجتمع الدولي يريد تحييد لبنان، لكنه قد يستسلم أمام سلبية اللبنانيين، ولبنان اليوم في خطر كياني وصيغته مهددة.. والأمر رهن اللبنانيين بعدم تفتيت لبنان ونثر رفاته من المحيط الى الخليج».