رسالتان أمنية وأخرى سياسية مرّرهما وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال نهاد المشنوق، من خلال مؤتمره الصحافي أمس في مقر المديرية العامة لقوى الامن الداخلي. الأمنية، كَشْفه عن عملية إحترافية عالية المستوى نفذتها «شعبة المعلومات» وجنّبت الداخل اللبناني ضربات إرهابية. والسياسية، مواجهة الغبار الكثيف الذي أحاط عمل «الشعبة»، على خلفية أحداث «الجاهلية»، من خلال تأكيده أنها «تعمل بعيداً من أي مناكفات سياسية».
بَدا صعباً في السياسة فصل «توقيت» مؤتمر المشنوق للإعلان عن عملية «لبنان الآمن 2»، عن المناخات التي أحاطت بأحداث «الجاهلية» والمهمة التي أوكلت، بموجب إشارة قضائية الى عناصر «الشعبة»، لكنّ وزير الداخلية كان حاسماً في التأكيد أنّ موعد المؤتمر مقرّر مسبقاً منذ أسابيع، لكنه شخصياً طلب تأجيل انعقاده، مؤكداً أنّ «الشعبة» تقوم بعملها بعيداً من أي مناكفات سياسية أو معارضة أو موالاة أو صغائر السياسة».
هكذا، وبعد أقل من عام على إعلانه عملية «لبنان الآمن 1» في 19 كانون الثاني من السنة الجارية، يوم شَنت «شعبة المعلومات» هجوماً مضاداً جَنّدت من خلاله مخبراً لديها وأخضعته لدورات أمنية وشرعية مكثّفة، ثم استخدمته «طُعماً» لاستدراج القيادي في تنظيم «داعش» «أبو جعفر العراقي»، ومن ثم شَغّلته لنحو 5 أشهر ما حال دون حصول عملية إرهابية خلال احتفالات رأس السنة الماضية، أطَلّ المشنوق من المكان نفسه ليعلن عن إحباط مخططات إرهابية بواسطة مخبر جَنّدته «الشعبة».
هذه المرة لم تختلف التحضيرات للاعلان عن العملية النوعية الاستثنائية الثانية لـ«الشعبة» في أقل من عام. يحضر وزير الداخلية الى مقرّ «المديرية»، ويشاركه في المؤتمر الصحافي المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان ورئيس «شعبة المعلومات» العقيد خالد حمود. جُهِّزت شاشة كبيرة لعرض فيديو مفصّل ومتقن إثر كلمة المشنوق عن إحباط «شعبة المعلومات»، ضمن عملية «لبنان الآمن 2»، «مخططاً إرهابياً داعشياً كان يستهدف أماكن العبادة، وتجمعات للنصارى، وأيّ تجمّع للقوى العسكرية، وتنفيذ عملية إرهابية خلال الانتخابات النيابية».
أكد المشنوق أنّ العملية الامنية المعقدة التي استمرت نحو 10 أشهر «أعادت التأكيد على فكرة «لبنان الآمن» للمقيمين والزوّار، وهي لا تزال سارية المفعول».
أهمية عملية «لبنان الآمن 2»، والتي جَنّبت لبنان ضربات إرهابية من خلال متفجرات أرسلت الى لبنان، على مرحلتين، عبر «سطول» جبنة وشَنكليش، أنها سجّلت أطول مدّة لتجنيد مُخبر، وقد استمرت أكثر من 10 أشهر من دون أن تعلم القيادات المُشغلة في إدلب بالأمر.
وقد أكد المشنوق أنّ العملية تمّت «بمستوى أمني واحتراف عالٍ جداً، والاحتراف ليس غريباً عن «الشعبة»، لكنها أطول عملية من ناحية المتابعة والقدرة على التجنيد».
وكقارئ سياسي، يضيف المشنوق، «فوجئتُ انّ المصدر إدلب، حيث كنت أعتبرها من مناطق اللجوء الموقّت أكثر مما هي غرفة عمليات مستمرة».
وأكد أنّ «الاعلان عن طبيعة العملية تمّ لأنها توقفت من جهة، ومن جهة أخرى للتأكيد أنّ الامن مستتبّ. ولقد تَمكنّا، من خلال كل القوى الأمنية، من تعطيل قيام أي مجموعة بأي عملية تتسبّب بمشكلة أمنية، و«الشعبة» أثبتت أنها جدية ومثابرة ومستمرة في عملها الاستثنائي غير التقليدي»، مشيراً الى أنه «سمع ثناءً دولياً كبيراً على هذه العملية بالذات، وأتحفّظ عن ذكر هوية هذه الجهة».
هكذا، وفي إطار متابعة نشاط التنظيمات الارهابية في لبنان، نفّذت «شعبة المعلومات» عملية إستباقية نوعية إمتدت لنحو شهر. فقد تواصَل «أبو عمر» (سوري كان موجوداً في سوريا) مع المُخبِر الذي يعمل لمصلحة «الشعبة»، حيث تمّ تجنيده ونال التزكية المطلوبة، عبر تطبيقات الانترنت وبإشراف فريق مختصّ في «الشعبة» مباشرة، ما أدى الى اكتساب الثقة بين المصدر (المُخبِر) والكادر «ابو عمر»، حيث طلب الأخير من المصدر العمل لمصلحة «داعش» عبر تنفيذ تفجيرات إرهابية في لبنان.
وفي بداية نيسان 2018 طلب «أبو عمر» من المُخبِر رصد الهدف المَنوي مهاجمته، حيث ركّز «أبو عمر» على تجمّع للنصارى (حسب تعبيره) أو تجمّع لـ»حزب الله» أو مراكز تابعة للجيش، طالِباً تصوير الأهداف، فتمّ اختيار هدف مُفترض (ساحة عامة لدار عبادة مسيحية). وافق «أبو عمر» على استهداف دار العبادة، وأعلم المُخبِر بأنه سيرسل له عبوّة ناسفة من سوريا لاستخدامها في التفجير خبّئت في سطل كبير من الجبنة (يحتوي متفجرات)، وتمّ تحديد موقع اللقاء في بلدة بر الياس، حيث تسلّمه فريق مختصّ من «الشعبة» فيما أُبقي ناقل العبوة تحت المراقبة.
ثم أرسل «أبو عمر» مقطع فيديو للمُخبِر يتضمّن شرحاً لطريقة توصيل العبوة وتفجيرها، طالباً تنفيذ العملية يوم الانتخابات النيابية. لكنّ المُخبِر إستخدم أعذاراً مُقنعة لعدم التنفيذ. وحين ألحّ «أبو عمر» على العملية أُبلِغَ عن تسرّب الماء إليها في سطل الجبنة بعد دَس كمية من الماء داخل العبوة، ما دفعَ «أبو عمر» الى اعتبارها غير صالحة للاستخدام.
في 16 نيسان 2018 أُعلِم المُخبِر بإرسال عبوة ثانية داخل سطل جبنة – شنكليش، تسلّمه لاحقاً فريق من «المعلومات» من دون توقيف السائق الذي أُبقي تحت المراقبة. لكن اعتباراً من 2018/06/04 إنقطع التواصل مع «ابو عمر»، وفي أواخر حزيران أُعلِم المُخبِر بأنّ «أبو عمر» قيد الاعتقال، وأُوقِف بعد ذلك ناقِلا العبوتين.
وبنتيجة التحريات عن مرسلي العبوات الناسفة، تبيّن أنّ الشخص الذي كان على تواصل مع مخبر «المعلومات» والملقّب «عبد المتين» و«أبو أيهم» يدعى م.أ (سوري ينتمي الى «داعش»)، واعتُقِل منتصف حزيران لدى «هيئة تحرير الشام» مع عدد من كوادر «داعش»، وأُعدموا.
وفي تموز، تواصَل شخص ملقّب «أبو هاجر» مع مخبر «المعلومات»، وطلب منه الاستعداد لتسلّم قنابل وأحزمة ناسفة. لكنّ التواصل إنقطع مع «أبو هاجر» حتى منتصف ايلول، ثم طلب من المُخبِر لاحقاً استطلاع ورصد أهداف (تجمّع للنصارى – مراكز تابعة للجيش اللبناني والقوى الامنية).
وفي 12 تشرين الاول 2018 طلب «أبو هاجر» من مُخبر «المعلومات» التوجّه الى بلدة شتورا، وأعلمه أنه سيجد في المنطقة كيساً من الخَيش يحتوي على مستلزمات للعمل، طالباً منه تنفيذ عملية إنغماسية وأنه سيرسل إليه حزامين ناسفين، لكن في 5 تشرين الثاني أُعلِم المُخبِر أنّ «أبو هاجر» قُتِل.
وفي 20 تشرين الثاني أفضَت الطريقة المُريبة في طلب إرسال صورة عن جواز سفر المُخبر والايعاز بمغادرته لبنان فوراً الى تركيا، الى إيقاف العملية. إذ بنتيجة المتابعة الفنية والتقنية منذ انقطاع التواصل الاخير مع «أبو هاجر» الى حين الطلب من «المُخبر» مغادرة لبنان، وإلحاح المشغّل على طلبه، تبيّن لقيادة «شعبة المعلومات» وجود مخاطر تتعلّق بالجهة الحقيقية التي أعادت التواصل مع «المُخبر»، إضافة الى الصعوبة في التثبّت من هوية الجهة الأخيرة التي تواصلت معه.
لذلك، ونظراً لِما يحوط باستمرار العملية خارج لبنان من مخاطر أمنية كبيرة، إتّخذ القرار بإنهاء العملية والاعلان عنها.
يذكر أنّ الفيديو الذي عُرض خلال المؤتمر كانت مدّته 25 دقيقة، وتضمّن 6 مقاطع مصوّرة سرّية لمراحل تنفيذ العملية.
وكشفت المعلومات أنّ العبوتين إستُجلِبتا من إدلب بواسطة باص يذهب من لبنان الى إدلب بصورة دورية، وتمّ توقيف سائق الباص وتبيّن أنه لا يعلم بوجود عبوة، كون الناقل يحضر معه في كل رحلة عشرات من صفائح الجبنة والزيت. فيما آخر دفعة من الاسلحة والقنابل التي تمّ استلامها في تعنايل، وحَددها المشغّل «أبو هاجر»، لا يزال العمل جارياً لكشف الجهات أو الأشخاص الذين وضعوها في المكان!