كل المواقف المعلنة للرئيس سعد الحريري تدل على أنه أخذ خياره الأخير بحسم موضوع الحكومة العتيدة هذا الأسبوع، فإما تأليف الحكومة وطي هذا الملف الذي بات استمراره مفتوحاً يُهدّد بعواقب اقتصادية واجتماعية، فضلاً عن السياسية, وخيمة على الوطن، وإلاَّ، التي تحمل أكثر من معنى، فهل مثلاً يضع تشكيلته، وهذا من حقه الدستوري ويسلمها إلى رئيس الجمهورية الذي من أولى واجباته الدستورية كذلك إصدار مرسوم التأليف، وفي حال امتنع الرئيس لسبب أو لآخر ينزل الرئيس المكلف بالتشكيلة إلى مجلس النواب ويطرح الثقة بها، حتى إذا نالتها استمرت في الحكم، ووضعت حداً للمراوحة القاتلة، وفي حال لم تحظ بالأكثرية تذهب إلى البيت، وبذلك تنتهي صفحة ونفتح صفحة جديدة من التكليف إلى التأليف، أم أن عند الرئيس الحريري خيار آخر، هو الاعتذار وتحميل المعرقلين مسؤولية كل ما يترتب عن ذلك من تداعيات على كل العقد والمستويات.
الرئيس الحريري لم يُحدّد الخطوة التالية في حال لم يحسم موضوع الحكومة قبل نهاية هذا الأسبوع، وان كانت مصادره تحدثت عن منحى إيجابي وليس سلبياً ينتهجه الرئيس المكلف من وراء هذا القرار الذي اتخذه، ويفهم من ذلك انه ليس على الأقل في وارد الاعتذار ربما لأنه بات يملك معطيات جديدة، بعد جولة المشاورات التي أجراها في الأسبوع الماضي تحفزه على الإقدام على هكذا خطوة، خصوصاً وان بعض المصادر تحدثت عن تقارب في وجهات النظر حصل بينه وبين الوزير جبران باسيل كمثل التفاهم على صيغة الثلاث عشرات، أي تخلي الوزير باسيل عن الثلث الضامن أو الثلث المعطل في مقابل الخروج من هذه الأزمة التي باتت تشكّل أكبر تحدٍ لرئيس الجمهورية وللطامح جبران باسيل، غير أن المواقف التي صدرت عن عدد من نواب تكتل لبنان القوي قلصت هذا الاحتمال لأنها أكدت على تمسك التيار بالثلث المعطل وإنه لن يتنازل عنه مهما بلغت الضغوط التي تمارسها بعض الأطراف عليه. هذا وحده كاف للدلالة على أن الأمور ما زالت تراوح مكانها أي لم يحصل بعد أي تقدّم على صعيد المشاورات الجارية بين الرئيس المكلف والوزير جبران باسيل المفوض من رئيس الجمهورية بالنسبة إلى تأليف الحكومة، وبالتالي لا يبقى أمام الرئيس الحريري، سوى خيار واحد هو الاعتذار وتشريع كل الأبواب أمام أزمة سياسية مفتوحة على كل الاحتمالات السيئة من «ضياع» أموال «سيدر» الى الانهيار الاقتصادي المحتم وصولا إلى الإفلاس وسقوط ما يسمى بدولة لبنان الكبير، لكن الموقف الذي اتخذه الرئيس نبيه برّي بدعوة هيئة مكتب مجلس النواب إلى الاجتماع اليوم الأربعاء لدرس إمكانية دعوة مجلس النواب الى عقد جلسات تشريعية تحت عنوان تشريع الضرورة، قد يسقط احتمال الاعتذار ويعيد الى الواجهة ما سبق ان اقترحه الرئيس برّي نفسه، وهو ان يفعل عمل حكومة تصريف الأعمال بعدما تعذر على فرقاء الداخل الاتفاق على تشكيل حكومة، لأن الوضع العام في البلاد لم يعد يتحمل الفراغ الحكومي، مثلما تحمّل سنتين ونصف السنة الفراغ في سدة الرئاسة الأولى لأن الوضع مختلف تماماً، ولا يجوز التشبيه لأن الحكومة هي السلطة التنفيذية التي على عاتقها تقع مسؤولية مواجهة التحديات وتسيير شؤون الدولة في حين ان رئيس الجمهورية يحتل موقعاً بروتوكولياً أكثر منه سلطة تنفيذية بينما تستمر الحكومة الانتقالية في تسيير شؤون البلاد والعباد ورسم الخطط، ودفع المشاريع موضع التنفيذ من دون أية تأثيرات سلبية يحدثها الفراغ في سدة الرئاسة الأولى.
على أي حال، الأيام القليلة الباقية من الأسبوع حاسمة، وقابلة لكل الاحتمالات.