IMLebanon

هذه المباني يمكن أن تنهار إذا اهتزت الأرض

 

 

هل لبنان مهيّأ هندسياً لمواجهة الزلازل؟

 

أسئلة كثيرة يطرحها اللبنانيون مع كل هزة أرضية وهزة بدن يثيرها عنوان مضخّم على موقع إلكتروني يستجدي المتابعة، أو تصريح لعالِم مستجد. من يضمن أن تصمد المباني السكنية والتجارية والسياحية في وجه الهزات فلا يصيب لبنان ما أصاب مقاطعة هاتاي التركية التي انهارت فيها آلاف المباني فوق رؤوس ساكنيها؟ وكيف تستطيع الصمود مبان هي في الأصل مترنحة في بعض الأحياء الفقيرة والمتمددة عشوائياً على الشطآن وعلى ضفاف الأنهر؟ لا بل ماذا عن البنايات القديمة التي تجاوز عمرها ستين سنة وأكثر؟ باختصار هل لبنان مهيأ هندسياً لمواجهة الزلازل؟

لم يخفت بعد القلق الذي اثاره في نفوس اللبنانيين الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وشمال سوريا في السادس من شباط الماضي وساهمت الهزات الارتدادية كما المحلية المتكررة في إذكاء نار الخوف في النفوس. الخوف مبرر كما يقول الخبراء فلبنان تعرض على مر العصور لزلازل مدمرة محت معالم عظيمة كانت تميزه ودفنت أهم مدنه مثل بيروت وبعلبك فماذا لو تكرر الأمر وحدث زلزال اليوم هل تصمد المدن اللبنانية بمبانيها القديمة والجديدة ومعالمها المميزة ام تنهار مبانٍ لم تشيد يوماً لتقاوم الزلازل والهزات؟ وهل يمكن أن تكون الهزات المتكررة قد خلخلت المباني وأحدثت فيها اضراراً قد تظهر لاحقاً؟

 

محافظ بيروت القاضي مروان عبود طلب من السكان في مدينة بيروت إبلاغ البلدية من خلال الخط الساخن في حال بروز تشققات جديدة أو تصدعات في الأبنية أو المنازل على أثر الزلزال الذي ضرب تركيا ليصار إلى إرسال مهندسين وفنيين من مصلحة الهندسة في بلدية بيروت للكشف الفوري واتخاذ الاجراءات الضرورية. وقد وردت إثر ذلك وخلال الأسبوع الأول بعد الزلزال مئات الاتصالات يُبلغ أصحابها عن أضرار في الابنية ما يشير الى مخاوف حقيقية عند الناس. ولكن بحسب بيان بلدية بيروت تبين بعد الكشف على المباني عبر المشاهدات البصرية دون إجراء اي فحوصات مخبرية أن الأغلبية الساحقة منها لا تشكل خطراً داهماً على القاطنين والجوار. ولكن هل تكفي المشاهدات البصرية للتأكيد على سلامة المباني؟ ومتى يمكن اعتبار المبنى مقاوماً للزلازل؟

 

أبنية مقاومة للزلازل

 

في العام 2012 صدر تعديل جديد لمرسوم السلامة العامة قضى ان تخضع كل المباني التي يتجاوز ارتفاعها 20 متراً لتوقيع المهندس ونقابة المهندسين ومكتب التدقيق الفني وأن يكون البناء قادراً على تحمّل تسارع الأرض وقت الزلزال وقد اعتمد رقم 0.25G كأعلى تسارع يمكن أن يحدث في لبنان وهو رقم يشير الى ان لبنان يقع في منطقة زلزالية وسطى.

 

نداء الوطن سألت المهندس علي نصرالله وهو مهندس مدني وشريك في شركة استشارات هندسية وعضو في مجلس المندوبين في نقابة المهندسين وعضو في تجمع مهندسي لبنان متى تكون المباني مقاومة للزلازل؟

 

كثيرة هي العناصر التي تجب دراستها لتصميم المباني وفق المعايير الهندسية الصحيحة تبعاً لكود البناء المعتمد في لبنان أولها وجهة استعمال البناء، وما الأحمال التي يجب أن يتحملها كل سقف فيه. ثانياً عدد الطوابق التي سيضمها المبنى، ثالثاً طبيعة الأرض التي تحددها الدراسة الجيوتقنية أي هل هي صخرية، رملية، صلصالية أم غير ذلك؟

 

كذلك ثمة عوامل أخرى يجب أخذها في الاعتبار في لبنان ومنها طبيعة أرضه المنحدرة فطوبوغرافيا الأرض عنصر يجب دراسته وتضاف الى ذلك دراسة نوعية الأرض أي ما تحويه من ملوحة أو كيمائيات أو مياه جوفية.

 

على أساس كل ما تقدم وبالاضافة الى اخذ عامل الزلازل بالاعتبار حسب متطلبات مرسوم السلامة، تتم الدراسة الإنشائية التي تحدد العناصر الانشائية المقاومة للزلازل.

 

ومن هذه العناصر الجدران الزلزالية او ما يعرف باسم Shear Walls التي تخضع لشروط دقيقة تجعلها قادرة على التحمل ونظام الإطار Frame System أي طريقة وصل الأعمدة والجسور ببعضها البعض حتى تبقى صامدة ومتماسكة عند حدوث الزلزال.

 

ولكن يؤكد المهندس نصرالله أنه مهما كانت الدراسة صائبة ووفق المعايير الهندسية التي تجعلها تتحمل الأحمال الأفقية وقت الزلزال إلا أن العبرة تبقى في التنفيذ الصحيح. فقد يصمد المبنى نظرياً متى أجريت له محاكاة على الكمبيوتر لكن يجب أن يلي ذلك تنفيذ صحيح ومراقبة جدية.

 

وهنا نسأل المهندس من يضمن تطبيق ذلك كله على الأرض في لبنان؟ ألم نرَ مبانيَ كانت في الأصل من بضعة طوابق وأضيفت إليها طوابق جديدة بفضل الواسطة والرشوة؟ ومن يضمن نوعية الباطون أو الحديد لا سيما في المشاريع السكنية التجارية؟ ألا يمكن الاستغناء عن المهندس بعد إجراء الدراسة وإتمام التنفيذ من دونه؟ أسئلة مشروعة في لبنان وكلها تعرض سلامة المباني للخطر.

 

نعود الى الأسئلة التقنية التي تهم المواطن اليوم هل تؤثر طبيعة الأرض على قوة المباني وسلامتها إذ من المتعارف عليه شعبياً ان الأرض الصخرية أشد تحملاً من غيرها. فيجيب المهندس نصرالله أن طبيعة الأرض تؤثر بشكل مباشر على رد فعل المبنى تجاه الزلازل وثمة مناطق في لبنان الأرض فيها لينة فيما مناطق اخرى الأرض صخرية، هنا تكمن أهمية المعرفة الصحيحة للارض منذ البداية وبالتالي اختيار نوع الأساسات المناسب حسب نوعية الارض.

 

أهمية الكشف المبكر

 

ماذا عن المباني القديمة التي بنيت قبل 2012 وصارت اليوم متهالكة هل يمكن أن تصمد؟ يقول المهندس علي نصرالله إن المباني القديمة يمكن تصنيفها الى عدة فئات:

 

الأبنية القديمة التي بنيت في الماضي وفق معايير صحيحة ووفق رخصة رسمية وهذه يجب أن تكون قادرة على التحمل عبر الزمن خاصة أن ذلك كان يؤخذ بالحسبان في الدراسة الإنشائية التي تجرى للبناء. ولكن لا بد من إجراء تقييم شامل لها للتأكد من سلامتها وقدرتها على التحمل بالاضافة الى الحاجة لاعادة تقييم مقاومتها للزلازل خاصة أن التسارع الزلزالي تغير حسب مرسوم السلامة العامة 2012.

 

 

الفئة الثانية هي المباني العشوائية المخالفة للقوانين وأنظمة السلامة العامة التي بنيت على أطراف المدن بلا دراسات أو رخص ففيها يكمن الخطر الأكبر وقد تتعرض للانهيار حتى من دون زلزال ويجب اعتبارها أولوية قصوى لأنها تعرض آلاف العائلات للخطر. ولكننا نسأل هل يمكن للدولة اللبنانية المنهارة ان تجد تسوية لمشكلة العشوائيات وأن تحفظ أهلها ومبانيها من الانهيار؟

 

وأخيراً الفئة الثالثة المعرضة للخطر هي المباني المتصدعة بسبب إشكالية هندسية أو قانونية والتي لا يمكن تدعيمها قانونياً لأنها مخالفة.

 

من جهته يؤكد المهندس المدني إلياس سلامة أن المباني القديمة هي عرضة للمخاطر لا سيما إذا كان حديدها ناله الصدأ بفعل دخول الهواء أو الرطوبة إليه أو إذا كان الباطون فيها أقل كثافة مما هو معتمد اليوم.أما بالنسبة للارتفاع وإذا ما كانت الطوابق العليا معرضة للانهيار أكثر من السفلى فيقول أنه كلما علا المبنى زاد خطر الزلزال عليه ولكن متى كانت الأساسات مدروسة وأثقل من البناء فإنه قد يهتز ولكنه لا يقع حتى في طبقاته العليا. فصبة الباطون الأرضية التي تعرف بـ»الرادييه» هي الأهم وكذلك متانة الأعمدة ولا سيما في الزوايا ووجود جدران خرسانية أقله أربعة في كل طابق وأن يكون بيت الدرج من الباطون المسلح الذي يحمي البناء. وكل بناء أعلى من طابقين يجب أن يخضع لدراسة الزلازل. أما بالنسبة للبناء على صخر فليس دائماً مضمون السلامة إذ ماذا لو فلتت صخرة مثلاً؟ أو ماذا لو كان تحت الصخور كهوف كما يصادفنا في بعض الأوقات أو لو كان ثمة نبع مياه بين الصخور؟ إذا ليست قاعدة عامة بل يجب إجراء دراسة جيوتقنية للتأكد من وضع الأرض.

 

كذلك يؤكد سلامة أن طريقة البناء في بيروت حيث الأبنية متلاصقة ويتم الحفر أحياناً على حدود أساسات البناية الملاصقة هذا أيضاً عامل خطر يمكن أن يعرض سلامة المبنى للخطر.

 

يجمع المهندسان على مبدأ واحد اليوم وهو ضرورة الكشف على المباني للتأكد من سلامتها وليس كشفاً نظرياً فحسب بل عبر الفحوص للتأكد من قوة الباطون فيها وحالة الحديد وغيرها. و يؤكد نصرالله أنه حتى لو كان المبنى غير متصدع فهذا لا يعني أنه بمنأى عن الخطر إذ يجب أولاً تصنيفه أي الى اية فئة من المباني ينتمي ودرجة الخطر التي يشكلها ومن ثم التأكد إذا كانت العناصر الهندسية التي تجعله قادراً على مقاومة الزلازل متواجدة فيه ويمكن إجراء محاكاة له عبر الكمبيوتر للتأكد من حاله أو نقاط ضعفه ليتم العمل على تقويتها. لكن الخطر يكمن أيضاً في الترقيع العشوائي غير المدروس.

 

الناس خائفون يخشون أي تشقّق يرونه في منازلهم ويخافون انهيارها حتى أن بعضهم بات خائفاً من ارتياد المباني العامة أو حتى من إرسال أولاده الى المدارس. وهنا يؤكد نصرالله أن ليس كل تشقق في البيت خطر فجدران الخفان مثلاً يمكن أن تظهر فيها تفسخات لأنها لا تقاوم الزلازل ولكن في حال ملاحظة تشقق في الأعمدة أو السقف أو الجسور أو جدران الباطون المسلح أو ملاحظة أي شيء غريب مثل الحديد الظاهر او الباطون «المفقع» فعندها لا بد من الكشف على البناء للتأكد من حاله. أما بالنسبة للمباني العامة فإن إجراءات الأحمال التي توضع عليها تكون أثقل ولكن بشكل عام استجابتها للزلازل تكون مثل غيرها من المباني والهدف أن يبقى المبنى سالماً حتى ولو اصيب باضرار ويحافظ على حياة الناس ويتيح لهم الخروج منه في حال الخطر.

 

في الختام يمكن القول إن كل مواطن خفير اليوم ليس على السلامة العامة بل على سلامة بيته وبالتالي يتوجب عليه التحلي بالوعي والتأكد من البيت أو المبنى الذي يسكنه من خلال المشاهدة بداية وعبر الكشف من قبل خبراء إذا كان ذلك ممكناً. لكن للأسف يبقى ذلك ضمن النصائح المثالية فالوضع معقّد قانونياً ومالياً، إذ إن غالبية المباني المعرَّضة للسقوط هي مبانٍ قديمة تخضع لقانون الإيجارات القديم لا المالك ولا المستأجر مستعدان لترميمها ولا البلديات قادرة على ذلك.