Site icon IMLebanon

استحداث وابتكار… في التعطيل!

 

تستمر الأزمة الداخلية في التعقيد مع تعطيل طاولة الحوار ودخول راعيها الرئيس برّي والحكيم في سجال، إلى جانب كونه عقيماً، فهو مفتوح للجمهور على صفحات التواصل الاجتماعي، للتأكيد مرّة جديدة أن الطبقة الحالية قد بلغت قمّة العجز في تأمين الحد الأدنى من التفاهم حول الخطوط العريضة لإدارة الأزمة وتجنيب البلاد والعباد إحباطات جديدة.

إن المهزلة السياسية القائمة في ظل الأزمة الاجتماعية الخانقة برائحة النفايات، تدخل اللبنانيين في نفق جديد لا نهاية له في المدى المنظور نظراً لتشبث كل فريق بمواقفه من دون وجود أية نوايا لتنازلات تخطو نحو الحلول الوسطى. فبدل أن تتكثف الاتصالات بين الأفرقاء للملمة الوضع وإعادة لمّ شمل المتحاورين، احتلت لغة السجالات مكان الحوار وقضت على آخر فرصة محلية لإيجاد مخارج للأزمات المتلاحقة التي تعصف بالساحة الداخلية… ومن هنا تأتي المفارقة حيث تنادي بعض الأطراف بإجراء المؤتمر التأسيسي ورفضها للانخراط بأي نشاط سياسي بحجة انعدام الجدوى من النظام الحالي والدفع باتجاه تغييره، ولكن أي نصاب سوف يتأمن لمؤتمر وطني على هذا المستوى، وأية قرارات واتفاقات ممكن أن تتم في ظل الانقسام العامودي الحاصل، والذي يعطل أصغر القرارات على مستوى السلطة التنفيذية ويهدد الحكومة بحلها عند كل ملف حساس يُطرح؟ أم أن رفع السقف من أجل التهويل والتعطيل بات الثقافة السائدة على الساحة اللبنانية؟ ولا جدوى من تفاقم هذا التعطيل، ومن إبقاء لبنان رهينة التسوية الإقليمية البعيدة الأجل على ما يبدو… فلا رئيس ولا مجلس نواب، والحكومة على المحك، والمؤسسة العسكرية موضع الإجماع الوحيد حتى اليوم، باتت مادة تجاذب وابتزاز، وهي الدرع الأخير الحافظ لأمن الوطن، والمتصدي الحقيقي للمحاولات المستمرة لتسلل الإرهاب الى الداخل اللبناني، إضافة إلى التردي الاقتصادي والاجتماعي المتزايد بسبب غياب المعالجة الرسمية لأزمة النازحين وانعدام الرؤيا الاقتصادية لإبقاء العجلة دائرة في ظل التحديات الأمنية والسياسية القائمة.

إن عودة ورقة الضغط في الشارع في هذا التوقيت تحديداً إنما تهدّد ما تبقى من بنية الدولة والوطن، لأن إسقاط الحكومة، بغض النظر عن إنتاجيتها، يُدخل لبنان في المجهول حيث لا توافق على التحاور أصلاً لإيجاد الحلول للأزمات العديدة والمواضيع الشائكة والملحة في آن، بدءاً من التوافق على اسم مرشّح لملء الفراغ الرئاسي، مروراً بقانون انتخابات ليعيد إلى المجلس النيابي شرعيته، وصولاً إلى التعيينات العسكرية والاستراتيجية الدفاعية.

بشكل عام، ناهيك عن انشغال الطبقة السياسية بالصفقات الدائرة حول المواضيع الحياتية، من نفايات ومياه ملوثة وشواطئ عامة إلى انترنت وبترول وغاز لن تستخرج من حوض البحر قبل تأمين الطريق إلى الجيوب الخاصة بعيداً عن خزينة الدولة.

أخيراً، القرار بإدخال لبنان في فوضى اللادولة يعني إتمام الخطط الممنهجة التي بدأت بإفراغ الرئاسة وتعطيل المؤسسات وفتح أبواب جهنم الإقليمي ليدخل إلى العمق اللبناني، وبالتالي تكون خطة محكمة لإخضاع البلاد إلى طرف واضح وإخراجه من الكنف العربي والحياد الرسمي عن الجحيم المحيط به، وبالتالي يسهل فرض الواقع ولو كان يتناقض مع إرادة الأغلبية اللبنانية أو حتى المصلحة الوطنية!