IMLebanon

تطوّرات المنطقة من وجهة نظر لبنانيّة: إنه المشروع نفسه وعنوانه التحريض الطائفي

يرى مرجع سياسي لبناني أن ثمة أحداثاً وتطوّرات كثيرة تبدو غامضة وغير مفهومة لبعض الوقت، ولكنها لن تبقى كذلك إلى الأبد. وعلينا، لكي نستطيع فهمها، أن نبدأ من الآخر، أي من النتائج، ونحن أحوج ما نكون في هذه المرحلة التاريخية والخطرة التي تمر بها المنطقة العربية، ومنها لبنان، إلى اعتماد تلك النظريّة، وإن يكن ما يجري منذ سنوات من تطوّرات دراماتيكية كارثية بات مفهوما، بدءاً بالعراق مروراً بسوريا وليبيا واليمن، وبالأمس مصر والبحرين وغيرها من الدول العربية المستهدفة بمخطط جهنمي تتكشف أهدافه يوماً بعد يوم، بما فيها تلك التي شهدت بداية ثورات شعبية حقيقية ناصعة من أجل الديموقراطية والحرية، إلا أن تلك الثورات، وفي تواطؤ مكشوف وتقاطع مصالح بين أنظمة ديكتاتورية وجهات استخبارية خارجية، خرجت عن مسارها وألبست غير لبوسها، وأبشع تجلياتها في هذه المرحلة بين العراق وسوريا، من خلال مجموعات مسلحة أطلقت عليها تسميات مختلفة، وآخرها “داعش” و”النصرة”، وقد سلط عليها الضوء وباتت وحيدة في الساح وانحسر معها كل عنوان ديموقراطي أو إنساني، وباتت الأساليب الدموية سيدة الموقف، وتختصر بانحراف كل تحرك نحو ممارسات مقيتة والعمل بكل الوسائل على التحريض الطائفي والمذهبي: إنه المخطط نفسه ومشروع الشرذمة المستمر منذ ما قبل إعلان دولة إسرائيل، وعنوانه هذا التحريض، تارة بين المسلمين والمسيحيين، وطوراً بين المسلمين أنفسهم سنة وشيعة. ويبدو واضحاً أن التركيز في هذه المرحلة على الشحن المذهبي في حملة تقف وراءها ماكينات ضخمة، سياسية وإعلامية وأجهزة استخبارات، وشغلها الشاغل التحريض المذهبي بين السنة والشيعة، وقد شهد شاهد من أهله، إذ عبر الكاتب المعروف جورج شتاينر في مكان ما، – وهو يهودي – عن تورط المخابرات الاسرائيلية – ضمن المتورطين – في تلك الحملات اذ قال في حديث الى مجلة “الفيغارو ماغازين” الفرنسية قبل أيام: “إن خلاص اليهود في إسرائيل هو في الحرب بين السنة والشيعة”! وقد وردت تلك العبارة ثلاث مرات في الحديث المذكور الذي أضاء عليه في لحظة سياسية مناسبة الكاتب اللبناني الفرنكوفوني الكسندر نجار، وحسناً فعل… هل بين الشيعة والسنة من لم يفهم بعد أن أي تحريض طائفي أو مذهبي، ومن أي جهة أتى، كبيرة كانت أم صغيرة، يصب في خدمة المشروع الصهيوني المزمن، وفي خدمة ما سمي الشرق الأوسط الجديد، أو الكبير؟

إلامَ يهدف ذلك المشروع في المدى البعيد؟

يقول المرجع نفسه: “أميركا، ومنذ ما قبل اجتياحها العراق بحجة البحث عن أسلحة الدمار الشامل، وبسلاح الدمار الشامل الذي تمتلكه، تشاغل الدول العربية بمطالبتها بتبني إصلاحات ديموقراطية، وهذا كلام حق يراد به باطل، إذ أن الدولة العظمى، وتحت لافتة الاصلاح طالعتنا منذ سنوات بما سمي مشروع الشرق الأوسط الأكبر الذي يدمج في منطقة واحدة الوطن العربي واسرائيل وتركيا وإيران وأفغانستان، والواضح أن هذا المشروع يرمي الى تحقيق هدفين في آن معا: الأول، هو القضاء على الهوية العربية ومعها رابطة العروبة (يلاحظ في الحملات الاعلامية والسياسية تركيز على التشهير بالعروبة والتهجم عليها بشكل سافر)، والثاني هو إدخال اسرائيل من الباب الواسع الى إطار الشرق الأوسط وصولاً إلى الإجهاز نهائياً على الحق العربي في فلسطين وتطبيع العلاقات بين الدول العربية والكيان الاسرائيلي على أوسع نطاق، حتى قبل التوصل إلى سلام عادل في المنطقة، لكل هذه الأسباب، المشروع مرفوض جملة وتفصيلاً”.

ويرى أن “الرد على مشروع الشرق الأوسط الأكبر لا يكتمل إلا بمشروع بديل على المدى البعيد، يؤكد الرابط القومي بين الدول العربية ويعززه. إنه مشروع اتحاد عربي على غرار الاتحاد الأوروبي، لأن ما يجمع بين العرب أكبر بكثير مما يجمع بين الأوروبيين، ففي أوروبا تتباين اللغات والثقافات وأحياناً المصالح، أما العرب فتجمع بينهم عوامل كثيرة منها اللغة الواحدة والثقافة المشتركة. قد تكون الطريق الى مثل هذا المشروع الكبير طويلة وشاقة ووعرة، ولكن المهم أن نسجل الخطوة الأولى في بداية الطريق ونوظف في السير عليها كل طاقاتنا وامكاناتنا، وهي كثيرة، وإذا أتيح توظيفها في خدمة الشعوب لا الحكام ولا الانظمة، ففي استطاعتها أن تفعل الكثير”.

وفي ظل التشرذم الذي تعيشه الدول العربية في هذه المرحلة، يعترف المرجع المذكور بأن “العمل على المدى القريب، ينبغي أن يتركز على حملات توعية في مواجهة حملات التحريض والشحن الطائفي والمذهبي الذي يستهدف الدول العربية، والشعوب العربية والإسلامية برمتها”!