IMLebanon

تنسيق الأجهزة.. مزحة!

مع سقوط الورقة الاخيرة من روزنامة العام الحالي بعد اسبوعين، يكون قد انقضى على وجود المخطوفين العسكريين في أسر الصقيع والارهاب 150 يوما. أشهر ثقيلة مرّت، أعدم خلالها أربعة عسكريين، وكأن الازمة لم تزل في بداياتها، لا بل في لحظة الصدمة الاولى.

بلبلة وزارية وأمنية وعسكرية وسياسية رافقت الايام الاولى لوقوع الكارثة، وانتهت بفوضى الاعتراضات المتبادلة والانسحاب من خلية صارت أزمة بحدّ ذاتها تفتّش عن شيخ صلح يفصل بين اعضائها.

فشلت كل الوساطات حتى الساعة، وغابت الضمانات عن اعدام المزيد من العسكريين.

آخر فصول المهزلة. جهاز امني رسمي يعطي الضوء الاخضر لعضو في «هيئة العلماء المسلمين»، بمواكبة مسلّحة، بالصعود الى جرود عرسال للحصول على تعهّد خطي من «النصرة» بعدم قتل اي عسكري آخر، فيعترض جهاز امني آخر (مخابرات الجيش) السيارة ويعتقل افرادها، فتتبدى مظاهر التنسيق في أبهى حلتها.

لا شيء يوازي عبثية هذه الصورة سوى اعتراف شخصية امنية بأن «قضية العسكريين صارت قضية اقليمية ودولية بامتياز لا مكان للمعطى المحلي فيها. لذلك، ما علينا سوى الانتظار».

وتقول مرجعية أخرى على صلة مباشرة بملف المخطوفين «ضاعت الطاسة. الجميع «بلّ يده» في قضية يفترض ان تتمّ إدارتها من قبل الحكومة حصرا». الجيش هنا موقفه واضح. يعتبر الحكومة هي الجهة الوحيدة المخوّلة التفاوض ويتعاطى معها على هذا الاساس. أما الدعوات التي صدرت مؤخّرا وتطالب الجيش بأن يتولى التفاوض مع المجموعات الارهابية فلا يعتبر نفسه معنيا بها، «لأن عمله الاساس ينحصر في محاربة هذه المجموعات والدفاع عن الحدود».

«ستاتيكو» الانتظار ينسحب عمليا على المشهدين السياسي والامني. يتلهّى الجميع في البحث عن «جنس» الرئيس والحوار واستكشاف هوية قانون الانتخاب الجديد. ثمة علامات تشي بأن الغطاء الاقليمي والدولي للاستقرار اللبناني باق، لكنه لا يمنع حدوث جولات استنزاف جديدة للجيش وللبلد.

وتدلّل الاشتباكات التي جرت قبل يومين في جرود راس بعلبك بين الجيش والمسلحين على إصرار الجماعات الارهابية على تشكيل واقع ضغط في المناطق الحدودية على طول السلسلة الشرقية الحدودية مع سوريا ان لناحية محاولات الاختراق الدائمة في الاتجاهين او إطلاق النار او استهداف الوجود العسكري في المنطقة، فيما يبدي الجيش صلابة في الردّ على الاعتداءات ومصادر النيران، ويُبقي وحداته في وضعية الاستنفار والجهوزية الدائمة في البقاعين الشمالي والغربي كما في منطقة العرقوب.

لم تعن التشكيلات العسكرية الاخيرة التي قضت بنقل قائد اللواء الثامن العميد عبد الكريم هاشم الى مديرية المراسم في وزارة الدفاع (خلفا للعميد خضر منصور الذي أحيل على التقاعد) وتعيين العميد محمد الحسن مكانه، شيئا لدى منتظري «الوقت المناسب» كي يبقّوا البحصة ويفتحوا ملف ما حصل في عرسال في الثاني من آب على مصراعيه.

وتَحت عنوان عدم المسّ بجيش يخوض اشرس مواجهاته اليوم مع قوى الارهاب، لا تزال العديد من الاصوات السياسية تلوّح، بما دأبت على تسميته بـ«وقت الحساب»، غير أن الجيش يمضي في اجراءاته من دون الالتفات الى الصخب السياسي الذي يحاول التشويش على أدائه، مستفيدا من دروس المرحلة الماضية. التغيير على مستوى قيادة اللواء الثامن بحدّ ذاته عكس، برأي كثيرين، «نَفَسا» جديدا في اسلوب إدارة المعركة في البلدة الحدودية الجردية عنوانه المزيد من الحسم والضغط على المجموعات المسلحة.

يذكر ان الاجراءات الاخيرة التي اتّخذها الجيش مؤخرا، والتي قضت بإقفال معابر حدودية عدة، والابقاء على معبري وادي حميد والمصيدة، كان العميد هاشم قد اشرف عليها مباشرة ونفّذ خطة اقفالها قبل صدور القرار بنقله.

بالمحصّلة، لا يمكن تصنيف الاجراءات الاخيرة للجيش بما فيها توقيف السيارة التي كان عضو «هيئة العلماء المسلمين» الشيخ حسام الدين الغالي بداخلها الا ضمن الاستراتيجيا المتشدّدة من جانب القيادة العسكرية بعدم التهاون مع ما يمكن ان يعيد الامور الى الوراء.

وحين تضبط الاحزمة الناسفة على الحواجز، ويتنقّل حاملوها بين عرسال والجرود، يمكن الافتراض بما تحويه البلدة نفسها من بؤر على تواصل دائم مع المجموعات الارهابية.

وإذا كانت المعابر المفتوحة (وادي الحصن، وادي عطا، وادي الرعيان) تشكّل ثغرات يستغلّها المسلحون، وتمّ إقفالها موقتا كونها لم تعد تشكّل حاجة للعرساليين للوصول الى مناطقهم الزراعية في الجرد في موسم الثلج والصقيع، فإن التطوّر الاهم الذي يضاف الى تسكير هذه المعابر هو تمدّد الجيش صوب الجرد العرسالي بحيث اصبح مخيم النازحين السوريين الذي كان متفلّتا من كل رقابة تحت سيطرة الجيش كليا وفي منطقة عملياته، مع العلم بان لا تعداد رسميا لعدد هؤلاء النازحين.