بداية نود أن نحمد الله ونهنىء العنصرين في جهاز أمن الدولة اللذين أفرجت عنهما السلطات السورية. فليس من السهل عودة مَن يُحتجز هناك. وقد عاد العنصران. وهذا في حد ذاته إنجاز.
إلاَّ أنَّ الملاحظة التي تُطرح وبإلحاح هي حول كيفية تسليم الرجلين. فلقد شاء المسؤولون السوريون تسليمهما الى معالي الأمير طلال أرسلان.
وقبل أي سوء تقدير وتفسير، ودفعاً لـ«بعض الظن» الذي هو إثم، نقول إننا نُكنّ كل تقدير واحترام الى الوزير أرسلان الذي وإن لم يكن بيننا وبين معاليه علاقة مباشرة، فإننا عرفنا، والده المغفور له الأمير مجيد أرسلان في مطلع عملنا الصحافي، كما عرفنا في ذلك الحين الوجه الآخر من الثنائية الدرزية المغفور له كمال بك جنبلاط.. وكان كلا الرجلين يشرِّفان قومهما، ومع الفارق الكبير بين الشخصيتين إلاَّ أنَّ كلاً منهما كان رمزاً وطنياً كبيراً. فعندما يُذكر كمال جنبلاط تتدافع الى الخاطر مزايا ذلك المفكر الكبير والسياسي الكبير والقائد الكبير.. وعندما يُذكر عطوفة الأمير مجيد أرسلان تتدافع الى الخاطر مزايا ذلك الوطني الكبير واللبناني الكبير والصورة التاريخية وهو ساجدٌ يقبل علم لبنان بدلالاتها الكبيرة (…).
وفي عَوْدٍ على بدء نقول إننا كنا نتمنّى لو تم التسليم من سلطة الى سلطة. ونكرر ليس انتقاصاً من قدر المير طلال على الإطلاق. إنما تصويباً لمسار كان خاطئاً في أيام مضت، ولايزال خاطئاً في هذه الأيام. وليس من لبناني لا يعرف أبعاد الرسالة التي أرادت القيادة السورية أن توجّهها «الى مَن يعنيه» الأمر في لبنان. والأكثر دقة كان يمكن أن نقول الى مَنْ «يعنيهم» الأمر لأنَّ الرسالة متعددة الاتجاهات ولا مجال لذكر المرسلة إليهم جميعاً. وكان الأبسط والأسلم والأكثر قبولاً ومنطقاً أن يُسلّم عنصرا أمن الدولة الى مرجعيتهما الممثلة باللواء طوني صليبا مدير عام جهاز أمن الدولة.. أو عبر السفير السوري علي عبد الكريم علي. وهذا أضعف الإيمان.
المهم أنَّ الرجلين اللذين توجها في سياحة لبنانية «داخلية» وجدا نفسيهما رهينتين. وكانت الخاتمة سعيدة في أي حال.
ولما كان الشيء بالشيء يذكر فإنني توجهت في شهر آذار من العام 1982 من بيروت الى دمشق لأنتقل منها الى دولة الإمارات العربية عبر مطار العاصمة السورية وكان مطار بيروت مقفلاً..
وفي المطار كان يوجد «كشك» ضيّق ازدحمت فيه الملفات وقد اعتلتها الغبائر. وإذا بالعنصر المحشور داخله يتأمل في جواز سفري مطولاً، ثم يقول لي «جيت والله جابك» أنت قيد التوقيف. ثم أضاف رفالاً من الشتائم. وجلست أنتظر مصيري بقلق كبير، وأشتم في داخلي الميليشيات وحروبها التي أدت الى إقفال مطار بيروت، وأتساءل عن مصيري «المحتوم».. استمرت الحال نحواً من ست ساعات قبل أن يتحقق المسؤولون في الأجهزة السورية المعنية من أنني لبناني (وجواز سفري بين أيديهم) ولست ذلك الشاعر السوري الذي يطابق اسمه اسمي.
وحتى الآن، مازلت أجهل كيف خُيّل، يومذاك، الى عباقرة الأجهزة المعنية في الجانب السوري، أن خليل الخوري، الشاعر السوري، اللاجىء عند صدام حسين (في ذروة صراع «البعثين») طائعاً مطواعاً مسلِّماً نفسه إليهم! خصوصاً وأنه كان قد نظم، قبل وقت قصير من هذه الواقعة، قصيدة يهجو بها الرئيس السوري الراحل المرحوم حافظ الأسد، وكانت وسائط إعلام صدام (تلفزيوناً وإذاعة وصحفاً) ترددها مرات عدة في اليوم الواحد.