IMLebanon

بحث الطوائف الدائم عن وطن

 

شيعة في جوار مسيحي ومسيحيون في جوار شيعي

 

إنتهت جولة الشياح – عين الرمانة الجديدة لكن هل انتهت الحرب الكامنة في القلوب؟ هل استعاد اللبنانيون الطمأنينة الباحثين عنها منذ الحرب وما قبل انتهاء الحرب وما بعد بعد كل جولات الحرب المتتالية؟ هل نام اللبنانيون أول البارحة على وساداتهم في دولة كاملة الأوصاف؟ يعرف اللبنانيون الجواب ويعرفون القلق ومعهما يدركون معنى البحث الدائم عن وطن.

 

 

إرمِ الإبرة تسمع رنّتها في منطقة الزعيترية الفنار. اللبنانيون، الشيعة في البقعة الواقعة بين تلة الفنار والسبتية، أخذوا في اليومين الماضيين أقصى درجات الحيطة والحذر. في دير الأحمر وشليفا تكرر الأمر، فاللبنانيون الموارنة كانوا يترقبون التطورات في محيط شيعي. فأي دولة هذه نعيش فيها؟ أي دولة هذه لا ينام ناسها، على اختلاف طوائفهم، ملء جفونهم لأنهم في غير محيطهم وبيئتهم وطوائفهم؟

 

ليلاً، مرّ شباب على دراجاتهم النارية في شليفا وأطلقوا النار وفرّوا. وقيل هناك، بحسب رئيس البلدية جوزف رعيدي، ان ذلك قد يكون على خلفية الأحداث التي شهدتها عين الرمانة والشياح. فهل هناك مستضعفون هنا أو هناك أو هنالك ليس لشيء إلا لأنهم من طوائف معينة في محيط من طوائف معينة أخرى؟ ما هذا اللبنان الذي نعيش فيه بعد 31 عاماً على انتهاء الحرب الأهلية بين أهل البلد؟

 

لا أمان في البلد. وجميعنا نعلم أن أهم جزء من سيادة نظام الحكم في أي بلد في العالم هو نجاحه في فرض الشعور بالأمان والإستقرار. فهل نحن في حكم ذي سيادة؟ نشك.

 

راعي أبرشية بعلبك دير الأحمر المارونية المطران حنا رحمة لا يرغب في الدخول في تفاصيل ما حدث (أو ما سبق وحدث) في كل مرة “تستضعف” مجموعة مجموعة أخرى من طائفة أخرى ويقول: “هناك رسائل تُرسل أحياناً وهي ليست من مصلحة أحد فالعنف لا يجرّ إلا العنف والدمار”، ويستطرد: “ثمة شباب مروا في سيارة وأطلقوا الرصاص ونحن اعتدنا على ممارسات كهذه، هؤلاء شباب ربما يتعاطون الحشيشة، لكن لا أحد في المنطقة يرضى عن مثل هذه التصرفات. نحن سعينا في البقاع الشمالي دائماً الى التآخي لكن تبقى هناك زمر تتحمل مسؤولية التصرفات الغوغائية التي لا تخدم أحداً. لذا، علينا جميعاً أن نصرخ ونصرخ ولا نسكت: نحن ننتمي الى لبنان. يجب أن نصرح بذلك. وأنا شديد الثقة أنه إذا كان صوت الرب فينا فسننتصر ونستعيد السلام. إذا وُجد خمسة أشخاص يطلبون السلام فسيتحقق لهم ذلك أما إذا لم نجدهم فعلى الوطن السلام. ستصبح المنطقة كلها محروقة”.

 

يتحدث المطران رحمة بحبّ عن الجميع، عن الشيعة قبل الموارنة، فالكل أولاد الأرض والوطن وهم من يفترض بهم تحصين البلد “سريع العطب”. وعلى الجيش اللبناني وحده أن يحمي كل الجماعات.

 

ثمة مناطق تعتبر حتى اللحظة غريبة أو “مغرّبة” عن محيطها. رويسات الجديدة وزعيترية الفنار مثلاً منطقتان تبدوان غريبتين أيضاً عن محيطهما. وفي كل مرة نسأل فيها مدير حوزة الإمام السجاد العلمية، المسؤول عن مسجد الإمام علي بن أبي طالب في سد البوشرية، عن المنطقة يتحدث عن كثير من الخلافات بين السكان الشيعة والجوار، لا سيما مع الأشوريين ويقول “مشكلة الشيعة في المتن الشمالي في أنهم يعيشون في ظل إشكاليتين، الأولى مع الشيعة والثانية مع المسيحيين، على اعتبار أن الشيعة لم يحتضنوا من أبناء الطائفة الموجودين في مناطق المتن الشمالي، وفي الوقت نفسه فإن المسيحيين لم يهتموا بالوجود الشيعي في المتن، فضلاً أنهم لم يحبذوا هذا الوجود من أساسه”.

 

ثمة معضلة إذا في البلد بحاجة الى حلولٍ. ثمة جماعات تَعتبر، أو تُعتبر، في غير مكانها وهي في أرضها.

 

فلنعد الى الشياح عين الرمانة. إذا عدنا بالذاكرة والأرشيف الى الوراء، الى 2011 و2015 و2016 و2017 و2019 و2020 وصولاً الى 14 تشرين 2021، تتكرر نفس المشاهد عن هجوم على عين الرمانة المسيحية. وعين الرمانة لمن نسي سقت الأرض بأكثر من 400 شهيد. فلماذا يعبثون معها دائماً؟ والى متى سيبقى الجيش اللبناني مشكّلاً درعاً بين المنطقتين والطائفتين والجهتين؟.

 

مشكلتنا أننا لا نشعر بأمان في البلد. والمشكلة الأكبر هي فائض القوة الذي يضفيه السلاح غير الشرعي في الأيدي. ألم يحن يا ترى الوقت لنعيش في دولة لا مزرعة؟