Site icon IMLebanon

من ظفار إلى لبنان: صور متقابلة!

في عام 1975 توقفت الحرب في ظفار (في جنوب سلطنة عمان) وانفجرت في لبنان.

لم تكن هناك علاقة مباشرة بين الانفجار هنا والتوقف هناك. الا ان الحربين كانتا حرباً على لبنان وحرباً على السلطنة؛ ولم تكونا مجرد حربين في لبنان وفي السلطنة.

في لبنان كانت الحرب سياسية طائفية، وتحولت الى حرب اقليمية وحتى دولية بالوكالة. وفي سلطنة عمان بدأت الحرب اقتصادية اجتماعية محلية. ولكنها أخمدت قبل أن تتحول الى حركة انقلابية تستهدف الجزيرة العربية كلها.

وكما انطلقت الحرب في لبنان وعلى لبنان من المخيمات الفلسطينية المسلحة، كذلك انطلقت الحرب في ظفار من التجمعات اليسارية والشيوعية في عدن في جنوب اليمن.

يومها رفع الفلسطينيون في لبنان الشعار الخاطئ بأن طريق تحرير فلسطين يمر في جونيه. ويومها أيضاً رفع الشيوعيون اليمنيون الشعار الخاطئ أيضاً بأن طريق الاشتراكية الى شبه الجزيرة العربية يمر من ظفار.

استقوت الحركة الثورية الفلسطينية في لبنان بمشاعر التهميش التي كان يعاني منها المسلمون في لبنان. واستقوت الحركة اليسارية اليمنية بحالات البؤس والفقر والجهل التي كانت تخيم على ظفار. كاد لبنان يخسر هويته كدولة ذات رسالة للتعايش بين المسلمين والمسيحيين. وكادت سلطنة عمان أن تخسر هويتها أيضاً كدولة ذات رسالة للتعايش بين المسلمين والمسلمين. دفعت الدولتان ثمناً غالياً حتى استتب الأمر في كل منهما على قاعدة اصلاح وطني وضع حداً وأوقف التدخلات التحريضية الخارجية. ولكن اذا كانت سلطنة عمان حققت نجاحات في اداء رسالتها، فذلك لأنها تنعم بقيادة فاعلة يلتف حولها مواطنو السلطنة وتحترمها دول الجوار. خلافاً للبنان الذي يتعثر حتى في انتخاب رئيس له، وتدير ظهرها له دول شقيقة.

ففي سلطنة عمان ما ان تولى السلطان قابوس السلطة في بلاده في شهر تموز من عام 1975، حتى بادر الى تنفيس الاحتقان الاقتصادي والاجتماعي، وبالتالي الى سحب السجادة من تحت أقدام حركة التمرد المسلحة في ظفار. تكرس نجاح السلطان قابوس في رقمين يحملان دلالة مهمة. الرقم الأول يتعلق بعدد المدارس. ففي عام 1975 كان عدد المدارس في كل السلطنة وليس في ظفار وحدها يبلغ ثلاثاً فقط. أما اليوم فان العدد ارتفع الى 1077 مدرسة. ومنذ سنوات قليلة أقيمت جامعة في ظفار بالتعاون مع الجامعة الأميركية في بيروت. وهي اليوم واحدة من الجامعات العمانية العديدة التي حققت نجاحاً علمياً وازدهاراً اكاديمياً.

الرقم الثاني يتعلق بعدد الطلاب. كان العدد بضع مئات. أما اليوم فانه يبلغ نصف مليون أي حوالي ربع عدد سكان السلطنة!

قبل السلطان قابوس كان «الممنوع» هو القاعدة. في تلك الفترة شملت الممنوعات كل نواحي الحياة الاجتماعية والفنية والادبية. غير ان سلطنة عمان اليوم تفتخر بفرقتها الموسيقية الفيلهارمونية الكبيرة. كما تفتخر بدار الأوبرا في العاصمة مسقط، التي تستقبل فرقاً فنية عالمية تعرض في مسرحها الحديث روائع من الفن العالمي.

ولا شك في ان أجمل معلم من معالم مسقط هو الجامع السلطاني الكبير بملحقاته الثقافية المتعددة، من مكتبة عامة وقاعة للمؤتمرات وقاعات للمحاضرات الدينية والعلمية.

ورغم ان مدينة مسقط القديمة تشكل متحفاً قائماً بذاته بقلاعها التاريخية وبيوتها العتيقة وأسواقها الضيقة المتعرجة، فقد أقيم فيها ولأول مرة، متحف يعرض معالم الحضارة العمانية عندما كانت السلطنة امبراطورية مترامية الأطراف حملت الاسلام الى شرق افريقيا (زنجبار اليوم).. وحتى الى الشرق الأقصى (ماليزيا واندونيسيا).

وقد ساعد على ذلك ان مصادر التشريع عند الاباضية هي القرآن الكريم والسنّة النبوية والإجماع والقياس، بما في ذلك الاستدلال والاستصحاب والاستحسان والمصالح المرسلة، وهي المصادر ذاتها لدى أهل السنة والجماعة. والاباضية لا تنحاز الى اي مذهب، بل ان مذهبهم كما يقول أحد مشايخهم الاعلام حمود السيابي هو «القرآن والسنة، حلالهما حلالنا، وحرامهما حرامنا، لا نبتغي بهما بديلاً ولا ننهج عنهما سبيلاً، ولا نقلد غيرهما حتى اذا لزم التقليد». ولقد فتح هذا الالتزام بهذه المصادر، الأبواب أمام علمائهم وتجارهم لنشر الاسلام في شرق افريقيا وفي غرب آسيا.

ولعل هذا الموقف الديني الملتزم باللامذهبية، اضافة الى الموقع الجغرافي في الإستراتيجيا الذي تشغله السلطنة حيث لا يفصلها عن ايران سوى مضيق هرمز الضيق في الخليج العربي، كانا وراء الحكمة التي تتميز بها سياسة السلطان قابوس. وقد تجلت هذه الحكمة في المواقف المتوازنة من الخلافات والصراعات التي تعصف بالمنطقة أو تلك التي تؤثر عليها أو تتأثر بها.

ما كانت السلطنة منذ أن أجهضت الفتنة في ظفار في منتصف السبعينات من القرن الماضي، سبباً في نشوب أي مشكلة، أو طرفاً في وقوع أي انقسام عربي أو اقليمي. بل على العكس من ذلك، كانت موئلاً للأطراف المختلفة للبحث في رحابها عن حلول وتفاهمات بعيداً عن الاستغلال او التوظيف السياسي الخاص.

ولو ان السلطان قابوس لم يتمكن من تحرير اقليم ظفار من المد اليساري المسلح.. ولو ان هذا المد تواصل كما كان مخططاً له لينتشر في كل اجزاء الجزيرة العربية، وخاصة في دول الخليج.. فأي مجلس تعاون كان يمكن أن يكون قائماً اليوم؟

هذا السؤال طرحتُه في مقال نشرته في مجلة الاسبوع العربي في عام 1976. يومها بدت السلطنة الخط الأمامي للدفاع عن شبه الجزيرة العربية، وتالياً عن العمق العربي. ولو لم يبادر السلطان قابوس في ذلك الوقت الى التصدي للمد اليساري بحكمة وشجاعة، لكان الخليج غير الخليج.. ولكان العالم العربي غير العالم العربي.

في 25 تموز تحولت ذكرى اعتلاء السلطان قابوس العرش الى ذكرى انتصار ظفار على نفسها. فمتى يتحول انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية الى ذكرى انتصار لبنان على نفسه ايضاً؟!