IMLebanon

عاصفةُ فنجان دياب

 

 

 

وقعَ رئيس الحكومة حسّان دياب في ما وقعَ به آخرون مارسوا ويمارسون الحكم والسلطة لجهة تحميل مسؤولية أيِ تعثرٍ أو فشلٍ يقعون فيه على “التركة الثقيلة”، وبأن هناك تحريضاً عليهم في الداخل والخارج من قبل “جهات” و”أوركسترا”.

 

إن من يتسلمُ السلطةَ في لبنان عليه أن يكون مدركاً منذ اللحظة الأولى أنه مقبل على إدارة بلد تراكمت فيه المشاكل والأزمات وتحكمُه المذهبية والطائفية وتسودُهُ الخلافات على المصالح والحصص والنفوذ، وعليه أن يدرك أن ممارسته للحكم وحيداً وكما يحلو له أمرٌ غير متاحٍ لألف سبب وسبب، وأن تجاهله للقوى الأخرى لن يكون سهلاً ولن يمهدَ له الطريقَ لحكمٍ آمنٍ ومستقر.

 

ما من أحدٍ فرضَ على الرئيس دياب بالقوة أن يتسلم رئاسة الحكومة، فهو اختار لنفسه أن يكون في هذا الموقع وعليه بالتالي تحمُّل كل التبعاتِ الناجمةِ عن ممارسة الحكم، كما عليه أن يتحملَ المعارضة السياسية، فنحنُ لسنا في بلد الرأي الواحد والتوجه الواحد والخيار الواحد.

 

هذا الواقع يجبُ على حكومة الرئيس دياب أن تكون مدركةً له وإن لم تكن كذلك فهي بالتأكيد تعيشُ خارج “المنطق” اللبناني، وهي إن أرادت تغييرَ هذا “المنطق” وأن تنقلبَ على ذريعة “ما خلونا” فما عليها إلا أن تُقْدِمَ على اتخاذ القرارات في مختلف المجالات وبسرعة. فالجهات والأوركسترا المتهمة بالتحريض ليست موجودة في داخل الحكومة وبالتالي لا يمكنها منع الحكومة من اتخاذ أي قرار، إذا جرى التوافق عليه بين القوى الحاكمة، فهل المعارضون يمنعون أي قرار بخصوص اليوروبوند؟ هل هم يعطلون أي خطة إنقاذية أو قرار بالتعامل مع برنامج لصندوق النقد الدولي؟ أو بخصوص مشاريع الكهرباء؟ أو بخصوص وقف الرحلات مع إيران جراء الكورونا؟

 

وإذا كان هذا هو واقع الحال في الداخل، فواقع الحال في الخارج لا يحتاج أيضاً لأن تتذرع به الحكومة لتكرار مقولة “ما خلونا”، فالولايات المتحدة وأوروبا ودول الخليج العربية لا تحتاج لأحدٍ كي يحرّضها تجاه ما تطالب به لبنان، فطلبُ الإصلاحات مثلاً ليسَ جديداً كشرط من أجل المساعدات، وهو طلبٌ لا يجب على حكومة الرئيس حسّان دياب أن تتذمر منه باعتبارِ أنه عنوانٌ أساسيٌ في بيانها الوزاري، والمطلوب من هذه الحكومة هو أن تظهر أنها ليست كسابقاتها التي نادت بالإصلاح وأمعنت بالتخريب، وعليه يجب عليها أن تشكر المحرضين على الإصلاح والضاغطين من أجل تحقيقه لا أن تشنّ الحملات عليهم.

 

إن الولايات المتحدة وأوروبا ودول الخليج العربية لا تحتاجُ أيضاً لمن يُحرضها على مواقفها السياسية تجاه لبنان وتحديداً تجاه “حزب الله”، فكلُ سياسات هذه الدول تجاه هذا “الحزب” سبقت بسنواتٍ طويلة وصولَ حكومة الرئيس دياب إلى سدة المسؤولية، وهي مواقف تدرجت تصعيداً ليس نتيجةَ التحريض بل نتيجةَ انعدام قرار لبناني بالنأي بالنفس عن مشاكل المنطقة، ولعبِ الحكومات اللبنانية المتعاقبة موقف المتفرج وأحياناً موقف المتورطِ، ما رتب على لبنان واللبنانيين تداعيات اقتصادية ومالية كبيرة ناجمة عن العقوبات المعلنة وغير المعلنة، ومنها مثلاً أن عرب الخليج امتنعوا عن السياحة في لبنان فهل جاء ذلك نتيجة تحريضٍ أم نتيجة سياسات ومواقف اتخذت من لبنان منصة لها؟

 

وهل سيكون بإمكان حكومة الرئيس دياب تغيير هذا الواقع؟

 

في دول العالم المتحضرِ يمارس المسؤولون الحكم بشفافيةٍ، وتشكل الحقيقة عنواناً رئيسياً لإدارة البلاد لأن الخشيةَ كبيرة من المحاسبة أمام القضاء والناس، ولا يلجأ هؤلاء أبداً إلى دفنِ رؤوسِهِم في الرمال كي لا يروا الوقائعَ، ولا يثيرونَ عواصفَ الغبارِ لتعميةِ الرأي العام، وهكذا يجبُ أن تكونَ انطلاقةُ حكومة الرئيس حسّان دياب فلا تثيرُ عواصفَ في فنجان ولا تذرُ الرمادَ في العيون.