Site icon IMLebanon

دياب وحليب السباع…

 

هل بدأ رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب يفقد أعصابه؟ الرجل الذي عرف منذ ما قبل تكليفه تشكيل الحكومة بالهدوء والإبتعاد عن الظهور الإعلامي، والإيحاء بأنه مع حكومته منصرفان إلى العمل أولاً وإلى الأفعال قبل الكلام، خرج في جلسة الحكومة في قصر بعبدا يوم الثلاثاء 25 شباط الحالي عن صمته وهدوئه، ليشن هجوماً على من اعتبر أنهم يعرقلون الحكومة ويشوّهون صورتها. لماذا شرب الرئيس دياب حليب السباع وقرر الكلام قبل أن تظهر الأفعال؟

قبل أربعة أيام من قول الرئيس دياب هذا الكلام تمّ خطف المهندس محمد رمضان من الضاحية الجنوبية. الأربعاء 26 شباط الحالي بعد يوم واحد على جلسة مجلس الوزراء، تمّ إلإفراج عن رمضان الذي كان نقله خاطفوه الى الأراضي السورية، وطلبوا مبلغ مئة ألف دولار للافراج عنه، إلا أنه أطلق بمسعى من المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم ودار الإفتاء الجعفري، بالتعاون مع الجهات السورية المختصة، فتسلمه الأمن العام بعد الظهر عند الحدود اللبنانية – السورية، ووصل الرابعة والنصف إلى دار الإفتاء الجعفري في بئر حسن، ثم عاد إلى منزله. وكان في استقباله في دار الإفتاء الجعفري، ممثل ابراهيم العقيد مرشد سليمان، المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، المفتي الشيخ عباس زغيب، والعقيد جمال جاروش.

 

وفي المناسبة، تحدث قبلان فشكر للمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم جهوده، خصوصاً في التواصل مع السلطات المختصة في الجمهورية العربية السورية لإنهاء هذه القضية بشكل سليم جداً، مشيراً إلى أن “الشاب محمد رمضان أطلق بعد مفاوضات وتنسيق مع السلطات السورية ومن دون دفع أي فدية أو أي مقابل مادي، وهذا أمر عظيم جداً”، وقال: “إن الأجهزة الأمنية عموماً قامت بواجباتها”.

 

يفهم من هذا الخبر في مجمله كأنه لم يتم فتح تحقيق رسمي في عملية الخطف ولم يتم توقيف أي من الخاطفين، الذين كادت المعلومات المسربة حول العملية وظروفها أن تسمّيهم. كأن العملية كلها من بدايتها إلى نهايتها كانت “أهلية بمحلية” أو مجرد سوء فهم وإشكال طفيف بين أهل الحي الواحد أو البيت الواحد ولا داعي “للشوشرة”، وأنها انحلت حبياً وعاد المخطوف إلى بيته سالماً وبقي الخاطفون في بيوتهم سالمين.

 

الرئيس دياب كان يعرف

 

هذه القضية بحد ذاتها كانت تستدعي أن يشرب الرئيس دياب حليب السباع وأن تتشدد الأجهزة الأمنية في ضبط الأمن وأن تلعب السلطات القضائية دورها. فصورة الدولة المسؤولة والقوية لا يمكن أن تتجزأ والسيادة لا تتعلق فقط بموضوع النفط أو الكهرباء أو اليوروبوندز وأزمة السيولة وسعر الليرة أو مواجهة الكورونا. فإذا كانت”الدولة” عاجزة عن منع حصول عملية خطف وعن التحقيق فيها طالما حصلت وعن توقيف الخاطفين المعروفين، فكيف يمكنها أن تستعيد سيادتها وكيف للحكومة الجديدة أن تستعيد الثقة التي تبحث عنها؟

 

عندما قبل الرئيس دياب مهمة تأليف الحكومة كان يعرف أنه سيواجه مشكلات كبيرة ليس حلها سهلاً. وكان يدرك وهو يمشي على السجاد الأحمر في أول دخول له إلى السراي الحكومي رئيساً للحكومة، أن دروبه في الحكم لن تكون مفروشة بالسجاد الأحمر.

 

والرئيس دياب قد يكون مدركاً أيضاً أن مهمته الصعبة لم تتعرض للعرقلة منذ البداية، بل على عكس ذلك فقد منح الكثير من التسهيلات من أجل إعطاء فرصة لحكومته كي تنجح، ولكن على أساس أنها ستكون منصرفة إلى العمل الشاق من أجل رسم طريق الخروج من الأزمة، ولكن على قاعدة أن تبرهن بوضوح أنها تعمل كحكومة مستقلة فعلاً، حتى لو كانت تسمية رئيسها ونيلها الثقة تمّا بأصوات جهة واحدة من تحالف “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” وحلفائه. ففي جلسة مناقشة الموازنة قبل دياب تبنّي تلك الموازنة التي أرسلتها الحكومة السابقة إلى مجلس النواب، وفي جلسة الثقة كان يعرف أنه لولا التساهل السياسي من الحزب “التقدمي الإشتراكي” و”تيار المستقبل” و”القوات اللبنانية” لما كان تأمن النصاب، وهذا في حد ذاته تعبير عن الإرادة العامة بأنه على هذه الحكومة أن تحقق شيئاً. ولذلك ربما كان من الأفضل أن تكون هناك انتفاضة على الذات داخل الحكومة، انتفاضة تحاكي انتفاضة الشارع الذي تبنى دياب مطالبه، قبل أن تكون هناك انتفاضة على “الآخرين”.

 

طريق النجاة

 

ثمة طريق واحد للنجاة. إما أن تمشي فيه الحكومة وإما أنها ستنتهي إلى الإنهيار الذي سيزيد الإنهيار العام في البلد انهياراً. ولذلك قد تكون معركة الرئيس دياب داخل مجلس الوزراء أولاً ومع الأطراف الذين سمّوه وأيّدوه ثانياً. فهو مع الحكومة ضيّعوا الكثير من الوقت الذي بات من ذهب. ففي طريقة التشكيل لم تحدث الصدمة الإيجابية التي توحي بأن هناك حكومة مستقلة فعلاً. وفي البيان الوزاري كانت هناك صدمة سلبية. وفي الممارسة لم يظهر بعد أن هناك أفكاراً خلّاقة أو مشاريع محضرة لمواجهة الأزمة، بل على العكس يبدو كأن هناك دوراناً في الحلقة المفرغة. لا الأداء السياسي العام تحسن. ولا أعمال الوزارات صارت أفضل. ولا تم الإستغناء عن الذين تم توظيفهم بشكل مخالف للقانون. ولا الجباية صارت أفضل ولا المراقبة تحسنت على المعابر الشرعية وغير الشرعية. ولا الإيرادات زادت لا بل تدنت. ولا سعر الليرة توقف عن التدهور. ولا طريقة التصدي لمشكلة اليوروبوندز واضحة. على العكس كأن هناك تخبطاً وعدم وضوح في الرؤية وعدم وجود أرقام حقيقية وغياب للإستراتيجية والقرار، خصوصاً في مسألة عدم حسم عملية الحلول الممكنة، هل هي علمية وواقعية أم متروكة مجدداً للحسابات السياسية وموافقة الأعضاء المؤسسين للشراكة داخل الحكومة؟ وهل هناك مراعاة لموقف “حزب الله” المعارض للجوء إلى صندوق النقد الدولي أم خوف منه أم تسليم به؟ وبالتالي إذا كانت الحكومة عاجزة عن الإقدام في هذه المسألة ففي أي مسألة أخرى ستكون قادرة على القرار؟

 

الحكومة رهينة؟

 

لقد دخل الرئيس دياب إلى دار الفتوى وحصل اللقاء الذي كان ينتظره مع المفتي عبد اللطيف دريان. ولكنه لم يصنع التحول المطلوب بعد. ولقد وقّع الوزراء على تعهد بعدم الترشح إلى الإنتخابات النيابية ولكن هذا الأمر لا يكفي. يعرف الرئيس دياب أن مسألة مبادرة الدول المانحة والصديقة للبنان إلى مد يد المساعدة لا تتعلق بموقف أي من الأطراف الداخلية التي لم تعط الثقة للحكومة. بل هي مرتبطة بما يمكن أن تحققه هذه الحكومة وبشروط لم تظهر هذه الحكومة أنها مستعدة لتلبيتها بعد. وحتى أنها لم تعطِ بعد أي إشارة إلى أنها جاهزة للسير بها. ولذلك لا يمكن رمي المسؤولية على الآخرين إلا إذا كان هذا الموقف للرئيس دياب توطئة لرفع الصوت في وجه الجميع، حتى الأطراف التي تُحسب الحكومة عليها. وهذا هو التحدي الأساسي الذي يجب أن تواجهه الحكومة. فهل الرئيس دياب مستعد لذلك؟

 

فبدل أن يبدأ حل العقد عقدة عقدة يبدو أن هذه العقد تزداد تعقيداً وعدداً. أن تستدرك الحكومة إمكانية مواجهة موجة من الجراد قد تأتي مسألة فيها نظر، ولكن أن تتخبط في مواجهة موجة فيروس الكورونا التي دخلت لبنان فمسألة لم تعد مجرد وجهات نظر. هذه عينة من الطريقة التي كان يجب فيها أن يتم تحمل المسؤولية بمسؤولية، بعيداً من اعتبارها وكأنها قضية يجب أن تأخذ في الإعتبار موقف “حزب الله” وإيران منها أيضاً، وقد تصرف “الحزب” وكأنها مسألة خاصة به وببيئته الحاضنة خارج إطار مسؤولية الدولة الحصرية، من بوابة المطار إلى المستشفيات وأماكن السكن والحجر الصحي وهويات المصابين المحتملين والذين تأكدت إصابتهم.

 

أين الدواء؟

 

قد يكون حليب السباع الدواء الذي يجب أن تشربه الحكومة لمواجهة الفشل في المكامن الحقيقية لهذا الفشل. وحتى لا تبدو وكأنها تبحث في كل مكان عن الدواء المناسب الذي لم يتم اكتشافه بعد لمكافحة الوباء، الذي قد يفتك بها ويقتلها بينما المطلوب منها أن تبحث عنه في مكان واحد تعرفه. وإذا كانت الحكومة أخذت على عاتقها مهمة العبور بلبنان من النفق المظلم يتوجب عليها أن تضيء الشموع في هذا النفق وأن تبدأ بالخطوات الأولى، لا أن تبدأ بلعن الظلمة ومن تحملهم مسؤولية إطفاء الأنوار والدخول في هذا النفق. فهي ولدت في هذا النفق فإما أن تنجح في الخروج منه أو أن تنتهي فيه. وتلك مسؤوليتها أولا قبل أن تكون مسؤولية الآخرين. وعندها تكون قد استحقت الشكر فعلاً ولكن ليس على طريقة الشكر الذي حصل في قضية خطف المهندس محمد رمضان. لأنه على هذه الحكومة أن تخطف الحل لا أن تتحول إلى رهينة مخطوفة تنتظر من يحررها.