Site icon IMLebanon

دياب… إنتفاضةٌ بلا زخم

 

 

لا يخالف أيّ مواطن لبناني توصيف رئيس الحكومة حسان دياب للواقع المأزوم والمأساة التي يعيشها اللبنانيون في كنف هذه الدولة، وقد تمثّلت كلمته الأقسى في قوله: «لم تعد هذه الدولة قادرة على حماية اللبنانيين».

 

توقفت أوساط متابعة عند كلام دياب أمام السلك القنصلي الفخري، خصوصاً أنه الكلام الأول من نوعه بهذه الصراحة بعد كلامه الأخير الذي اعتبره المراقبون أنه يُطاول الرئيس سعد الحريري انطلاقاً من الحديث عن السياسات المعتمدة منذ 30 عاماً.

 

وبالتالي، هي المرة الثانية التي يثير فيها كلام دياب ردود فعل في ظل وجود وجهتي نظر: الأولى، وتعتبر كلامه سلبياً، إذ تقول كيف لرئيس حكومة أن يكون في هذا الوضع من المسؤولية ويتحدث عن فشل الدولة»، معتبرة انه كلام عادة ما يصدر عن أطراف معارضة تكون خارج السلطة. لذا، فإنّ علامات استفهام تُطرح، لجهة ارتباط المضمون بالتوقيت، فكلام دياب هو كلام «مسؤول»، وموقفه أتى ولم يمرّ شهر بعد على نيل حكومته الثقة في 11 شباط الماضي، فكيف يمكن لرئيس حكومة أن ينعى حكومته؟ وهل هو فعلاً لا يدرك انه في موقع المسؤولية وأنّ عليه ان يعطي اللبنانيين جرعة أمل تطمئنهم مثلما تطمئنه الى جوده على كرسي الوزارة؟

 

ويضيف أصحاب النظرية السلبية أنّ «الموقف التوصيفي صحيح، لكن كان على دياب أن يؤكد أنّ حكومته عازمة على اتخاذ سلسلة قرارات جريئة ووضع خطة متكاملة قيد التنفيذ يقترن فيها القول بالفعل، ضمن مساحة زمنية محددة».

 

أمّا أصحاب وجهة النظر الثانية الايجابية، أي من يؤيّدون دياب، فيدافعون عنه من منطلق انه أعطى توصيفاً دقيقاً للحالة اللبنانية، وأقرّ بأنّ الدولة هي دولة فاشلة لم تعطِ اللبنانيين حقوقهم ولا تشكّل الضمان لهم، ولا يشعر المواطن فيها انّ حقوقه مصانة. وهذا الكلام الصادر عن شخصية بمركزه في أول مشواره الحكومي، يعبّر عن عمق الأزمة وحجم الكارثة التي تنتظر البلاد، ويحاول أن يشرح للبنانيين حجم المأساة بواقعية وبعيداً عن التزلّف.

 

وتقول الأوساط نفسها: «إنّ اللبيب من الاشارة يفهم». بمعنى انّ دياب يطلب تحريره من الضغوط والحسابات السياسية لكي يقوم بمهمته المعقدة أصلاً. فالواضح أنّ كلامه يحمل كثيراً من العتب والتفسير والتأويل، لكنّ الأكيد أنه يطلب، وتحديداً من الفريق السياسي المحسوب عليه أصلاً، أن يزيح عنه الحمل الثقيل وإطلاق حرية عمله في الخيارات المطلوبة منه أساساً».

 

ومن دلالات كلام دياب، بحسب مؤيديه، أنه يتضمن إشارة إلى أنه «لن يقبل أن يتحمّل وزر فشل من سمّوه، وأجندات قد تنهي مسيرته السياسية سلباً، وقد لا يتوانى عن الاستقالة اذا استمر وضع العوائق السياسية والفئوية أمامه».

 

يضاف الى ذلك أنّ اسبوعاً لم يمرّ على كلامه في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة عن «أننا لن نكون جزءاً من سياسة المحاور، لأنّ لبنان نأى بنفسه عنها»، ليسقط هذا «النأي بالنفس» مع دخول نعوش مقاتلي «حزب الله» من سوريا الى لبنان، الذين سقطوا في معارك للنظام السوري في مواجهة الجيش التركي في محافظة إدلب.

 

وفي حين يعمل رئيس الحكومة، بحسب أوساط حكومية، على معالجة الاستحقاقات التي تدهم لبنان، لاستدراك أي سلبيات جديدة قد تطاول سلامة مؤسساته المالية والنقدية، فإنّه في المقابل حريص على عدم توزيع الوعود يميناً وشمالاً بإنجازات قد لا تتحقق وهو العالم بخفايا الأمور.

 

وتعتبر الأوساط السياسية انّ ما استفزّ في كلام دياب أنه خالف قواعد الأكثرية الحاكمة ورأي رئاسة الجمهورية التي تتحدث بلغة وتضع قواعد مختلفة، ولا يمكن ان تسمح بكلام، ولو انه حقيقي، يشير الى مأسوية المشهد، ويحمّلها بنحو أو بآخر تبعاته والمسؤولية. وتذهب تلك الأوساط بعيداً في الاشارة إلى أن لا شيء يمنع من أن يكون كلام رئيس الحكومة رسالة مزدوجة الى الشارع من جهة، وإلى المجتمعين العربي والدولي من جهة أخرى، فيما يجري الاتصالات لتسهيل جولة خارجية يعتزم القيام بها.

 

أمّا محاكاة الشارع، فلا ترى هذه الأوساط أنها محاولة دياب لفك الطوق عنه عبر الشارع أو حتى الخروج من اللعبة عبر الانتفاضة، إنّما قد يشكّل الشارع عامل ضغط يستفيد منه لاستكمال حركته «التصحيحية» اذا صح التعبير.

 

لا شك انّ هناك كثيراً مما يمكن أن يُقال في خطاب دياب، فهو «يوصّف المأساة اللبنانية والمشهد اللبناني بدقة، امّا الفارق الوحيد الذي يُطلب منه فهو الانتقال من مرحلة التوصيف الى مرحلة العمل في اتجاه إخراج لبنان من هذه الكبوة في المرحلة المصيرية، وأن يعطي لانتفاضته زخماً»، على ما تختم الأوساط السياسية إيّاها.