يعاود المجلس الأعلى للدفاع الذي ينعقد تقريباً أسبوعياً اتخاذ القرارات نفسها، لا سيما في شأن التهريب على المعابر، وبخصوص أحداث الشغب التي تقوم بها مجموعات معروفة ولدى الأجهزة الأمنية كل المعلومات عنها، مثلما تحتفظ بتفاصيل عمليات التهريب على المعابر غير الشرعية والشرعية، كما قال رئيس الحكومة حسان دياب أكثر من مرة مهدداً بكشف الأسماء، من دون أن يفعل.
أما ما يعتبره العهد ودياب انتصاراً، بنجاح الضغط على مصرف لبنان وحاكمه رياض سلامة من أجل التدخل في سوق القطع للسيطرة على سعر صرف الدولار الأميركي، فإن بناء الآمال على أن يتمكن من أن يضبط السوق بضخ دولارات للمضاربة على المضاربين والمتلاعبين بسعر الصرف، أقرب إلى ضرب السيف في مياه البحر. فالجميع يدرك أن لهذا التدخل حدوداً طالما الأولوية هي لتجنب استنزاف ما تبقى لدى سلامة من أموال يتصرف بها، بالكاد يكفي لتغطية استيراد المواد المدعومة بالسعر الرسمي، أي المحروقات والقمح والمواد الغذائية والأدوية، حتى آخر السنة. ألم يبشر دياب نفسه اللبنانيين بأن الودائع تبخرت؟
مع ضرورة كبح جنون ارتفاع سعر الصرف، وأسعار المواد الغذائية، تطالب حكومة دياب سلامة بالقيام بما أجبرته عليه الحكومات السابقة من أجل تمويل حاجات الدولة بالاستدانة، مع ما تعرض له هذا التمويل من هدر بفعل المحاصصة. وإذا كانت الحكومة الحالية تلوم الحاكم وحكومات “الإرث الثقيل” على ذلك لأنه استنزف ودائع المصارف، فهي تكرر الغلطة نفسها مع ظروف أكثر حراجة، بعد أن بقي النزر القليل من احتياطي المصارف في حوزته. وفي وقت برر المدافعون عن سلامة استجابته للحكومات السابقة بأنه كان يراهن على أن تنفذ الإصلاحات بجدية بعد مؤتمر “سيدر” في نيسان 2018، فإن المراهنة على أن تحقق هذه الحكومة أياً من الإصلاحات التي أحبطتها الخلافات السياسية في حكومتي سعد الحريري، قبل نهاية العام، بات سراباً في ظل ما حصل في التعيينات الإدارية والمالية والتأخير المتعمد في تأهيل قطاع الكهرباء، ورد الرئاسة للتشكيلات القضائية… فدياب الذي كانت حجته لتأجيل التعيينات أن غلبة المحاصصة لا تشبهه، كما قال، ولأنها لم تشمل من يريد تعيينه في رئاسة مجلس الخدمة المدنية، عاد فقبل بها خلافاً لتمسكه بحصته، تحت التهديد من قبل رئيس “التيار الوطني الحر” بأن تجرى سلة واحدة و”إلا لا تعيينات”، وبعد إصرار “حزب الله” على أن تتم من دون أي مراعاة للمطالب الأميركية بالإبقاء على “الموثوقين” في المواقع المالية. لم يكن وحده من “انقلب” على نفسه بل معه الوزراء الذين تمسكوا بالكفاءة والشفافية ويتشدقون بالقانون. هؤلاء ابتلعوا ألسنتهم، بلا حرج.
بدلاً من التعجيل بالإصلاحات، التي تعيد بعض الثقة الدولية والداخلية، التي بدورها تساهم في ضبط سعر الصرف. وبدلاً من أن تضبط التهريب والتهرب الجمركي، عوضاً عن القرارات الاستعراضية، فتوفر للخزينة ما يقارب الـ4 مليارات دولار، وتمنع تصدير الدولار إلى سوريا، تخضع الحكومة لموجبات محور الممانعة حيال الصراع مع أميركا، بقبولها التعيينات كما أملاها “حزب الله”، عشية تطبيق قانون “قيصر” للعقوبات الأميركية على التعامل مع نظام بشار الأسد،، وتدفن مع العهد رأسها في الرمال، ولهذا أثمان لاحقة.