أمّا وقد نالت حكومة حسّان دياب الثقة، فقد بدأ وقت الجدّ. كل ما سبق يوم أمس، كان مجرّد “تحمية” لجولة ملاكمة، يلعب فيها الوزراء ورئيسهم لعبة “حياة أو موت”. لا أنصاف انتصارات أو أنصاف هزائم في هذه الجولة. إمّا يخرجون “أحياء يرزقون”، بالمعنى السياسي، وإما يقدّمون “أضاحي” على مذبح “ارتكابات” و”نهب منظّم” صار عمره من عمر “جمهورية الطائف”.
حتى الآن، لم تتمكن الحكومة من استعادة ثقة الشارع، ولم يشكل بيانها الوزاري صدمة ايجابية كما كان يؤمل منه، وبدت محاولاتها في الخروج عن المألوف في بنودها، خجولة جداً. وحدها المهل الزمنية التي ألزمت أجندتها بها، كانت البصمة الجديدة التي حاولت تمييز نفسها عما سبقها من حكومات.
لا تحسد حكومة “مواجهة التحديات” على موقفها. تحمل على كتفيها أثقال حكومات متعاقبة استسلم القيّمون عليها من قوى وأحزاب، لمشيئة الشارع الرافض لعودتهم إلى السلطة، فقرروا الاستعانة بـ”أصدقاء” من الاختصاصيين ليكونوا بمثابة “أكياس رمل” يتلقون ضربات وصدمات ولكمات الانهيار المالي وعوارضه الاجتماعية، التي ستتوالى تباعاً مهددة الاستقرار الأمني.
ومع ذلك، لا يبدي رئيس الحكومة حسان دياب وفق عارفيه أي تلكؤ في مواجهة ما ينتظره من تحديات وصعوبات قد تكون الأقسى منذ عقود. يدرك أنّه يقود مهمة مستحيلة قد توصل به إلى الهلاك السياسي، ومع ذلك لا يزال مصراً على المحاولة. يمسك بقشة الخلاص، ولو أنّ الجميع مقتنع أنّها تفصل البلاد عن الغرق الحتمي في ضوء صعوبة كسر حواجز ثلاثة:
حاجز النقمة الشعبية والذي إن بدا بالأمس ميالاً إلى منح الحكومة فرصة لكنه في المقابل قد يتحوّل في أي لحظة من موجة غاضبة إلى سيل جارف لا يوفّر شيئاً قد يقف في وجهه.
حاجز مصالح القوى السياسية التي ستقوم بأي شيء للحفاظ على مكتسباتها وامتيازاتها التي تكرّست طوال عقود، وهي لن توفر فرصة للانقضاض على الحكومة حتى لو كانت فرصة البلاد الأخيرة.
حاجز الممانعة الدولية التي ترفض منح الحكومة شيكاً على بياض وتنتظر منها اظهار جدية في العمل لا سيما على المستوى الاصلاحي قبل أن تمدّها بأي قرش.
ولهذا، تبدو الخيارات أمام الحكومة محدودة جداً. وهي تعي بكل مكوناتها هذا الواقع المرير، وتستعد وفق عارفي رئيس الحكومة، للتعامل معه، على أمل أن تتمكن من كسر واحد من الحواجز الثلاثة. ولذا العين على المجتمع الدولي والعمل لتجاوز الاختبارات التي وضعها للحكومة.
ومن باب الاستعداد لهذه الاختبارات يتحضّر رئيس الحكومة، كما يؤكد عارفوه للقيام بجولة خارجية، يفترض أن تكون باكورتها، عربية الطابع، وتحديداً خليجية، بعدما حاول دياب جسّ نبض بعض الحكومات الخليجية من خلال موفدين تمّ تكليفهم منذ اليوم الأول لتكليفه رئاسة الحكومة، للقيام بجولات على بعض الدول الخليجية والعربية للتقصي عن حقيقة موقف هذ الدول من مسألة تكليفه.
وفق عارفي دياب، فإنّ ردود الفعل لم تكن سليبة أبداً، إذا لم نقل إيجابية في بعض منها، الأمر الذي يفتح الباب أمام محاولة جدية لتوظيف هذا “القبول” من بعض الدول العربية، أسوة بالقبول الذي تبديه بعض الدول الأوروبية تجاه حكومة دياب، وإن كان قبولاً مشروطاً بالعمل على وضع الاصلاحات التي تلكأت الحكومات السابقة عن وضعها.
يعتقد رئيس الحكومة أنّ ثمة هامشاً لا بأس به يمكن التحرك ضمنه للخروج من النفق القاتم، وأنّ الفرصة متاحة لتحقيق ما عجزت عنه الحكومات المتعاقبة. ولذا يتسلح دياب ببعض التفاؤل والايجابية ازاء ما ينتظره، على الرغم من العموميات التي ضمّنها بيانه الوزاري، لكن كل من يلتقيه ويستمع إلى طروحاته، يتأكد أنّ الرجل لن يستسلم بسهولة، وثمة شيء ما يخبئه دوماً في جيبه. حالياً، الأولوية ستكون للوضع المالي الآخذ في التدهور السريع، ويفترض وضع مسألة استحقاق اليوروبوند لشهر آذار على طاولة الحسم مباشرة بعد نيل الثقة خصوصاً وأنّ المهل باتت داهمة، ولا بدّ من التفاهم على قرار نهائي: إما الدفع وإما استدعاء الدائنين للتفاوض معهم على جدولة الدين.