تخطى الرئيس سعد الحريري وتياره قطوع «تجاوزهما» في استحقاق التعيينات المالية على صعيد الموقعين السنيّين المعنيّين، النيابة الثالثة لحاكم مصرف لبنان ورئيس لجنة الرقابة على المصارف، وهما بذلك تمكنا من إلتقاط الأنفاس في مرحلة صعبة عليهما كما على البلد.
تبدو ملامح الرضا على محيا «المستقبليين» مع تراجع رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب عن طرح التعيينات المالية على طاولة الحكومة المُتفجرة، لعلمهم أن استمرارهم خارج الحكم لن يفعل سوى في إضعافهم أكثر فأكثر مع الأيام التي تؤشر الى أن حكومة دياب مستمرة لوقت غير منظور.
فوز معنوي لرئيس الحكومة
يبدو واضحاً بين «المستقبليين» الإقرار بصعوبة أداء دور المعارضة في الوقت الذي استمروا فيه سنوات طوال في الحكم راسمين لسياساته ومستفيدين منها. وبينما أحسن دياب في عدم مضيه الى النهاية في موضوع التعيينات، فإن الأمر لم يكن ضعفاً منه بقدر ما كان محاولة لكسب الوقت وتمكين نفسه في الحكم، بينما بات في إمكانه الظهور أمام العامة بعيداً عن مشهد المُحاصص والغارق في الوحل الطائفي، والحريص على الكفاءة والنزاهة وتعيين الأجدر في موقعه في الدولة.
ليس الأمر متعلقاً فقط بمحاولة دياب مراعاة المزاج السني الذي عبّر عنه بيان رؤساء الحكومات السابقين في رفض محاصصة طائفية على حساب من يمثلون، وهو يعلم تماما أن تيار المستقبل، وإن ضعف، فإن من غير الممكن تخطيه في الزمن الحالي، إذ لا يزال التيار الأقوى سنياً، والحاصل على مباركة دار الفتوى المرجعية السنيّة الرسمية في البلاد. وبما أن معركة التعيينات من شأنها أن تطول في ظل الحروب التي يخوضها أركان السلطة وتناتشهم على الحصص الطائفية، فمن الأفضل والحال هذا، أن تُبعد الشُبهات عن رئيس الحكومة الحالي وهو لا يزال يتحسس طريقه في بداية مشواره السياسي الفعليّ والشاق.
وأمام تراجع دياب الذي أكسبه معنويا، لا أوهام لدى «المستقبليين» بالمصالحة معه، فقد اتخذ قراره الحكيم لكي لا يقطع الصلة نهائياً بالحريري، علماً أن هؤلاء يقرون أن لا بديل لدياب في الوقت الحالي، لا بل إن البعض يذهب الى اعتبار أن دياب هو الأقوى من غيره لناحية الحاجة إليه على طاولة الحكومة، بينما آخر ما يجب التفكير فيه حالياً هو إسقاط الحكومة أو عرقلة عملها الإيجابي الذي تقوم به على صعيد مواجهتها الصعبة والدقيقة مع وباء «كورونا».
علوش: زعيم «المستقبل» حاجة
ولكن هل ثمة ندم لدى «المستقبل» وزعيمه على إخراج نفسه من الحكم مع كل ما تحمله السلطة من نفوذ؟
«كان يمكن القول إنه كان من الأفضل له البقاء خارج الحكم في المرحلة الماضية لكي نرى كيف يمكن لدياب مقاربة القضايا المالية الكبرى، وكيف يمكن له اتخاذ القرارات الكبرى مثلما كان سيتسنى لنا رؤية آلية معالجة الحكومة للملفات القذرة في البلاد»، يقول القيادي في التيار الدكتور مصطفى علوش لـ«اللواء». لكن اليوم، وفي ظل بدء تفشي وباء «كورونا»، فإن وجود الحريري في الحكم أفضل له وللبلاد.
يعكس علوش وجهة النظر السائدة حول إمكانية أن تُعمر الحكومة طويلاً في ظل الحرب على هذا الوباء وكون لا بديل لهذه الحكومة الآن. والواقع أن «المستقبليين» لا يريدون إعطاء الحكومة «أكثر مما تستحق» على صعيد سياستها في مواجهة «كورونا». ويشير القيادي «المستقبلي» إلى «إننا في وضع مقبول نتيجة عدم تفشي الوباء الى مستوى كارثي»، لكن يبدو واضحاً في أروقة «التيار» أنه يعمل على تمرير الوقت بأقل قدر من الخسائر، وبالنسبة إليهم، هناك الكثير من التشكيك في إمكانية الحكومة على الإصلاح ناهيك عن رغبتها بذلك.
وفي هذه الأثناء، وحتى عودتهم المأمولة الى الحكم، سيطول الأمر قبل انجلاء هذه الأزمة، وبينما جهد علوش وغيره في مرحلة ما قبل «كورونا» لتكوين معارضة عابرة للطوائف لهذه الحكومة، يبدو الأمر وقد بات من الماضي هذه الأيام.
وكانت الفكرة تقوم على الخروج من عباءة معارضة يطغى عليها الطابع «الآذاري» الذي تخطاه الزمن وبات الشتات يجمع قواه، لكن الأمر يتطلب حسب علوش وجود الحريري على رأس معارضة كهذه يكون لها برنامجها المتعدد سياسياً ومالياً وإجتماعياً.
ومهما كان مصير معارضة كهذه في ظل تشتت يعتري «المعارضات» المواجهة للحكومة الحالية، إنضم الحريري محمياً الى حضن رؤساء الحكومات السابقين، برغم التنافس السياسي وأحياناً الشخصي معهم، لكن الأولوية اليوم تتمثل في حفظ رأسه وحماية تياره الذي لا تأتي الأيام سوى بتراجع متزايد له شعبياً ومالياً وحتى إعلامياً.
لكن مع انضمامه الى هذا «النادي السنّي»، يمكن للحريري حماية معادلته التي من غير الممكن تجاوزها طائفياً. إلا أن الرئيس السابق للحكومة لن يدخل معاركه سوى بحكمة وتأنٍ، وبينما سرت أحاديث عزّزها المقربون منه ولم ينفها هو، حول إمكانية ذهابه الى تقديم استقالته وكتلته من المجلس النيابي، كان واضحاً أن الحريري ليس بالشخصية المُتهورة التي تذهب الى الصدام حتى النهاية، وهو يعلم أيضاً أن استقالة كهذه، حتى لو تمّت، لن تفعل سوى بأذيته وتياره، وبتعميق أزمته شعبياً ومالياً، وقد تشكل أولى لبنات خروجه من الحياة السياسية.
وبذلك، يبدو واضحاً أن الحريري يشتري ما أمكن من الوقت.. على أمل العودة في زمن ليس ببعيد!