IMLebanon

لا برامج حكومية للسفر الى العرب والغرب!

 

بلغة ديبلوماسية راقية، يعتقد مرجع ديبلوماسي، انّ الوقت ليس مناسباً للحديث عن جولات رئيس الحكومة المُنتظرة الى الخارج، فالهموم الداخلية تُسقط هذا الحديث. وعند الغوص في التفاصيل، يكشف المرجع حجم الحصار الديبلوماسي والاقتصادي المضروب على لبنان بعد تشكيل الحكومة الجديدة واعتبارها «حكومة اللون الواحد التي شكلّها حزب الله»، بمعزل عن شركاء لبنانيين آخرين. فما الذي يقود الى هذه القراءة واسبابها؟

في البيان الرسمي الذي تلاه رئيس الحكومة حسان دياب من منصّة رئاسة الجمهورية عند تشكيل حكومته في 21 كانون الثاني 2020، عبّر عن النيّة للقيام بجولة عربية تبدأ بالرياض قبل اي عاصمة خليجية او عربية او غربية أخرى. ومنذ ذلك التاريخ لم يعد دياب يتحدث عن جولاته الخارجية مباشرة، وبات الأمر رهناً ببعض التسريبات الإعلامية التي تتحدث عن إطلالاته الخارجية من دون ان يثبت وجود اي موعد للبدء بها.

 

وما رفع من نسبة التشكيك باحتمال القيام بأي من هذه الزيارات، انّ التهنئة بتشكيل الحكومة الجديدة بقيت محصورة بالسفير القطري في لبنان، الذي تفرّد بنقل تهنئة حكومة بلاده، ودعوة دياب الى زيارتها متى شاء. ولم يقم بعد اي من زملائه، سفراء دول الخليج العربي، بأي مبادرة مماثلة. في وقت بقيت الزيارات محصورة بعدد من سفراء بعض الدول العربية وسوريا ومن شمال افريقيا، والذين لم يتجاوز عددهم اصابع اليد الواحدة، ولم يوجّه له اي منهم اي دعوة لزيارة بلاده.

 

على الخط الموازي، لا يبدو انّ اللقاءات التي عقدها دياب مع مجموعة سفراء مجموعة الدعم الدولية من اجل لبنان وآخرين من اميركا اللاتينية وبعض الدول الاوروبية بنحو منفرد، قد بحثت او اشارت الى أي مواعيد لجولات خارجية محتملة. وهو ما رفع من نسبة القلق حول ما بلغته المقاطعة الديبلوماسية للبنان على اكثر من مستوى.

 

وفي هذه الأجواء، وباستثناء الزيارة التي قام بها وزير السياحة والشؤون الإجتماعية الى سوريا قبل فترة، وحده وزير الخارجية ناصيف حتّي زار العاصمة الفرنسية للقاء نظيره الفرنسي جان ايف لودريان، والمكلّف من الرئيس الفرنسي بيار دوكان متابعة مقررات مؤتمر «سيدر» في 28 شباط الماضي، بعد ان شارك في اجتماعات طارئة واستثنائية لنظرائه وزراء الخارجية العرب في القاهرة في الثاني من الشهر نفسه، للبحث في العملية التركية في الشمال السوري، قبل ان يغادر العاصمة المصرية الى جدة للمشاركة في مؤتمر وزراء خارجية منظمة التعاون الاسلامي الخاص بـ «صفقة القرن».

 

وعليه، يعترف المرجع الديبلوماسي، أنّ إطلالات الحكومة الجديدة، التي بقيت محصورة بهذه التحرّكات الوزارية المحدودة، تشي بوجود ما يؤدي الى القلق، وتوحي بوضوح الى تنامي العقبات والمشكلات التي تواجهها الحكومة لجهة القدرة على ترميم العلاقات الخارجية للبنان سواء مع المجتمع العربي عموماً والخليجي خصوصاً، كما بالنسبة الى الغرب ايضاً. وكل ذلك يجري في وقت يجتاز لبنان اصعب الظروف الإقتصادية والنقدية والسياسية، والتي زاد من حدّتها اضطرار لبنان الى تجميد دفع مستحقات «سندات اليوروبوندز» لحامليها اللبنانيين والأجانب في آن، على وقع ترددات انتشار فيروس «كورونا» في البلاد وما استدعى اتخاذه من تدابير اقتربت من اعتبارها حالة طوارئ صحية وبيئية، انعكست سلباً على مختلف وجوه الحياة اللبنانية.

 

وبعيداً من اللغة الديبلوماسية، يقول المرجع، إنّ الأسباب التي قادت لبنان الى هذا الموقع الحرج والخطير ليست غافلة على أحد. ولعلّ ابرزها يتوقف على حجم النزاع القائم في المنطقة بين مجموعة من الخيارات القاسية التي جُنّدت لها كل الأسلحة الإقتصادية والعسكرية والمادية والديبلوماسية التي يفتقد لبنان حضوره فيها، إلّا من باب كونه ورقة في المحور الذي يناهض فيه اكثرية سياسات الحكومات والأنظمة العربية والغربية، عدا عن التقصير في إجراء الإصلاحات التي طالبته بها الدول والمؤسسات المانحة، والتردّد في اتخاذ بعض الخيارات السياسية التي ما زال لبنان اسيراً لها.

 

وبمعزل عن القدرة لدى اي من وزراء الحكومة الحالية كما رئيسها، على مصارحة الناس بحقيقة العقبات التي تحول دون بناء أي علاقات جديدة مع الخارج العربي او الغربي، فقد وصل بعضهم الى إقتناع ثابت، بأنّ الرفض العربي مبني على الاتهام الموجّه الى الحكومة بأنّها «حكومة حزب الله»، وانّ الشروط الغربية تساوي في نتائجها ما آلت اليه المواقف العربية. فمن يشترط من الدول والحكومات الغربية ومعها المؤسسات المانحة تحقيق اي من الإصلاحات الضرورية المطلوبة قبل إعادة «فتح الحنفيات» المالية، يساوي المطالبة العربية بشكل اكثر وضوحاً وجرأة، بعودة لبنان الى حظيرة «النأي بالنفس» ووقف كل أشكال تدخّل «حزب الله» في الأزمات العربية من سوريا الى اليمن وما بينهما في البحرين والمملكة العربية السعودية.

 

ونظراً الى صعوبة الأخذ بأي من هذه الخيارات التي يطالبون بها لبنان قياساً الى حجم الإصرار على بعض التوجّهات السياسية التي يقودها بعض اللبنانيين المتحكّمين بمقدرات الحكومة والمؤسسات الدستورية، تقف الحكومة عاجزة عن تقديم ما يُرضي أصحابها. لا بل زادت حدّة الأزمة بوجهيها النقدي والصحي من هذه المصاعب، وبات على الحكومة ان تنظر الى الداخل قبل التطلع الى بناء اي علاقة خارجية او إعادة ترميم ما اصابها من نتؤات قاتلة. فالأزمة الإقتصادية تتفاقم يوماً بعد يوم، ومعها أزمة فيروس «الكورونا»، وستبلغ مناخاً إضافياً مقلقاً، وسط عجز شامل عن امكان القيام بأي خطوة أو مبادرة، توفّر دعماً مالياً خارجياً، بات مطلوباً بإلحاح من أجل الانطلاق بأي خطة إنقاذية.

 

حيال هذه الحالة الاستثنائية، على الجميع ان يعرف انّ الوضع المالي يجتاز اخطر المراحل التي لم يعشها من قبل. فالحديث في الكواليس عن حجم حراجة الوضع النقدي الذي بلغته البلاد، على خلفية ما ارتُكب من مخالفات مصرفية على مدى السنوات والأشهر الماضية، يُنبئ، متى انكشف منها امام اللبنانيين، بأخطر مما كان متوقعاً. ولذلك، وان بلغت التطورات هذه المرحلة المتقدمة، لن يكون متوقعاً ما ستكون عليه ردّات الفعل السلبية التي ستتجاوز كل الخطوط الحمر.

 

وبعيداً من التوغل في التعبير عمّا يثير القلق على المستقبل القريب والبعيد صحياً ونقدياً واقتصادياً، يبقى الرهان على موقف يطلق مبادرة وطنية كبرى يقودها «حزب الله» قبل أهل الحكم والحكومة، لربما تؤدي الى اطلاق مسار جديد يقود الى إحياء الحديث الغائب عن اي جولة عربية أو غربية لرئيس الحكومة المحاصر بمجموعة الأزمات في مقرّه ليل نهار في السراي الحكومي. والى ان تتحقق مثل هذه الأماني، هناك من يعتقد انّ زمن العجائب قد ولّى، وهو ما يؤدي الى ضرورة وجود إقتناع شامل، بأنّ على اللبنانيين عدم استغراب ما يمكن ان تؤدي اليه التطورات. فأبواب المفاجآت مفتوحة على شتى الإحتمالات.