Site icon IMLebanon

هل يرفع دياب شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»؟

 

لعلّها اليوم فرصة ذهبية لحكومة الرئيس حسان دياب، لالتقاط الأنفاس والعمل حثيثاً من دون معارضة شرسة لها من قبل مجموعات الشارع كما «المعارضة» السياسية التي كانت في طور التبلور، مع غزو وباء «كورونا» لبنان ليشكل الأولوية بالنسبة الى اللبنانيين جميعاً.

 

ككل بلاد العالم وحكوماته، فاجأ الوباء الحكومة اللبنانية التي تعاطت معه بارتباك وببعض الرعونة بادئ الأمر متلقية انتقادات لاذعة على أدائها. وبغض النظر عن صواب تلك الانتقادات أو عدم أحقيتها وتحميلها الحكومة والبلد أكثر مما يتحملانه، فإن الوقت يبدو مناسباً لتركيز دياب والوزراء على الخطر الداهم وهو ما حصل فعلاً في استنفار شبه شامل لأجهزة الدولة لمواجهة ما يبدو أنه طاعون هذا القرن.

 

وإذا كان من سوء حظ لبنان وُلوجه هذا الصراع في ظل اهتراء في أجهزته وقلّة وعي ومسؤولية لدى شعبه، فإن الأمر قد يكون مؤاتياً للحكومة لكي تواكب الموضوع وتضع الأزمة الإقتصادية والمالية والإجتماعية والمعيشية جانباً، في ظل مهلة لعملها إقتربت من النفاذ ما كان سيضع دياب والوجوه الحكومية حديثي العهد في موضع حرج.

 

فرصة «كورونا»؟

 

يشير البعض الى أن هذا الخطر قد داهم الحكومة بعد قرارات اتخذتها كان أهمها عدم دفع سندات «اليوروبوند» بعد تأمين الغطاء الدولي لذلك، وهو ما امتص بعض نقمة الشارع كون أركان الحكومة اختاروا ما بين السيئ والأسوأ. وقد اعتبر قادة في الحراك الشعبي أن دياب، في وعوده، قد دغدغ أفئدتهم، ولكن الانتفاضة سرعان ما أعلنت عن مطالبتها الحكومة بتحويل الوعود الى أفعال. هنا، وبعد تصاعد الانتقادات الشعبية ومثلها من قبل معارضي الحكومة والتي طالبت بقرارات إصلاحية عاجلة ومواجهة الفساد مع تسارع مرور المهلة المعطاة لها، جاء استحقاق وباء «كورونا» ليفرض هدنة طوعية في الشارع وأخرى إجبارية ربما من قبل بعض أركان المعارضة السياسية للحكومة، وفرصة جديدة على دياب إلتقاطها.

 

لا بل إن البعض يذهب الى اعتبار ان في إمكان حكومة دياب تمرير بعض القرارات غير الشعبية والمتعلقة بسعر صرف ​الدولار واعتماد ​سياسة الـ«هير كات» على الودائع كون المواطن سيكون مهتما بصحته وحياته. طبعا ذلك في ما لو كان للحكومة نية في إصدار قرارات صعبة على شعبها.

 

لكن الحراك الشعبي لا يبدو في وارد تمرير المرحلة إذا لجأت الحكومة الى أية اجراءات من هذا النوع. وإذا كان في ثنايا الكلام الحكومي في الجلسة التي ترأسها رئيس الجمهورية ميشال عون، بعض الثناء من قبل الحراك، إلا أن بعض القرارات صيغت بطريقة إعلامية وليس مؤسساتية رغم ضرورتها في هذه المرحلة الصعبة مثل ذلك المتعلق بالإقفال، كما تعتبر مجموعاته.

 

ليس بين الحراك من يريد تصفية الحساب العسير مع السلطة في هذا الوضع الصعب، لكن هناك من يلفت الى أن وباء «كورونا» جاء ليؤكد ويكشف واقع الإهمال المزمن والمتوارث في البنية الصحية والإجتماعية والخدماتية والمعيشية، وطبعا السياسية والاقتصادية في البلاد. علماً أن الحراك، وإن كان ملتزماً «حجرا ذاتيا» عن الانتفاض في الشارع، لا زال ينشط عبر اجتماعات ضيقة ومحدودة كما ينسق الجهود على وسائل التواصل الاجتماعي، ما يعني أنه ليس في وارد الإذعان لأية إملاءات عليه بحجة أن «لا صوت يعلو على صوت المعركة مع الفيروس» يتخوف البعض من إطلاقه.

 

وقد شرع الحراكيون بمبادرات شعبية توعوية ووقائية، بالتوازي مع العمل الميداني لتنظيم الحملات في كل المناطق للحد من انتشار «كورونا» وتأمين المساعدات الإنسانية للمحتاجين.

 

بالتزامن مع كل ذلك، يشير بعض من في الحراك الى أن الخارج الذي تعول عليه الحكومة قد لا يكون مستعدا للمساعدة في ظل الأزمة العالمية في مواجهة الوباء، وهي التي باتت تطال دولة رئيسية بالنسبة الى لبنان وهي فرنسا ناهيك عن الدول الغربية الأخرى كما العربية. لذلك، فعلى الحكومة تظهير صورة إيجابية عن استعدادها الكامل لتلقي تلك المساعدات وترقب الموقف الخارجي من هذا الأمر.

 

لذا، تبدو مهمة حكومة دياب مزدوجة. فمن ناحية عليها الشروع في إصلاحات تطمئن الخارج، ومن ناحية ثانية الشروع في معركة يأمل الجميع أن تكون مرحلية مع وباء «كورونا».

 

التعبئة القرار الأقصى

 

وعلى صعيد هذا الخطر المستجد، يشير مراقبون للأداء الحكومي الى أن الذهاب نحو خيار إعلان التعبئة العامة والإقفال شبه التام، يعتبر أقصى ما تستطيع الحكومة فعله في هذه المرحلة، كما حال دولاً كثيرة ومتقدمة. ويلفت هؤلاء الى أن قرارا إتخذ بإيلاء أهمية قصوى لـ«غرفة العمليات الوطنية لإدارة الكوارث» وذلك بإشراف رئيس الحكومة حسان دياب، علماً أن الدور الملقى على عاتق الغرفة سيكون متقدما بأهميته على تجاربها السابقة، وهي تُعنى في الأساس بمواجهة الأحداث القاهرة التي كانت مقتصرة في السابق على التطورات المناخية. واليوم، ستكون لها أدوار عملياتية ولوجستية وتخطيطية على الأرض مع الاشراف يومياً على عمل الأجهزة والإغاثة، والأهم، الوضع الصحي في كل ساعة، علما أن ممثلين للوزارات قد وضعوا في تصرف الغرفة.

 

لكن، على الرغم من كل ذلك، يبقى الواجب الأكبر على عاتق الشعب اللبناني ووعيه وقدرته على المواجهة «فكل مواطن خفير»، كما على صعيد التجاوب مع اجراءات الحكومة على الطريق الطويل لاحتواء هذا الخطر الداهم لكل لبناني لأية طائفة أو مذهب انتمى.

 

لذا، فهي ساعة الحقيقة بالنسبة الى اللبنانيين، حكومة وأحزاباً وشعبا، عبر تكافل إجتماعي بعيداً عن الاتهامات في السياسة وتحميل المسؤوليات، على أمل تمرير المرحلة التي ستنتصر فيها إرادة اللبنانيين حتماً الذين سيذكرون طويلاً هذه الأيام الصعبة قبل الانتصار عليها.