IMLebanon

من “يفكك” الحكومة أولاً… “كورونا” أم “الدولار”؟

 

 

في ظل التوقعات بصعوبة رسم خط بياني لمسيرة وباء كورونا ومدى انتشاره وتحديد ساعة الذروة، يتزايد القلق على مرحلة ما بعد الاحتواء. فلبنان لا يخوض حرباً ضد الوباء فحسب، فهو استحقاق وصل في عز الأزمة الاقتصادية والخلاف حول التعيينات المالية ما رفع من نسبة التشكيك في قدرة الحكومة على النفاذ بوحدتها. وعليه، ما الذي سيقود الى تفككها ومتى؟

إذا كان هناك من يعتقد انّ لدى الحكومة عصا سحرية تمكّنها من تجاوز مختلف الإستحقاقات الكبرى التي تواجهها لمجرد انها قد عقدت العزم على المواجهة، فهو واهِم. فعقد سلسلة من ورش العمل لمواجهة التطورات التي قادت اليها السياسات العامة والتطورات المتلاحقة او تلك الطارئة التي تفاجئها بين ساعة وأخرى لا يكفي. فالجميع يدرك أنّ القدرات المتوافرة التي يمكن تسخيرها للخروج من سلسلة الأنفاق التي دخلتها البلاد محدودة. ومنذ فترة طويلة سبقت التقنين في العملات الصعبة ووقف دفع مستحقات «سندات اليوروبوندز» قبل دخول البلاد مدار «كورونا».

 

«اذا بقي البعض حالماً بالسيناريوهات الوهمية وتلك التي تؤدي الى معالجة ما هو مطروح من أزمات ـ يقول احد الوزراء البارزين ـ فهذا هو ذنبه، وإن كان من بيننا فعليه ان يرحل». ويضيف: «منذ ان تسلّمنا مسؤولياتنا الحكومية لم نستخف او نهزأ يوماً بحجم المسؤوليات الملقاة على عاتقنا والمصاعب التي نواجهها على كل المستويات التي جعلتنا مجموعة من الإنتحاريين».

 

أمّا، وبعد ان توسّع البحث في الكثير مما يعوق الجهود الحكومية المبذولة على اكثر من صعيد، فيقول هذا الوزير: «انّ علينا التنازل عن كثير مما كان سائداً من قبل، فالقدرة على التحكم بشؤون البلاد والعباد لدى مجموعة من المسؤولين لم تتبدل بعد وليس من السهل تجاوزها. والمطلوب تغيير جذري في العقلية التي تسيّر شؤون الحكم والحكومة». وقبل أن يغوص في التفاصيل يصرّ الوزير نفسه على القول «انّ الحديث عن حكومة مستقلين انتهى قبل ايام على تشكيلها». فقد تبخرت الجهود التي بذلت لتشكيل حكومة تحاكي هموم اكثرية اللبنانيين الذين انتفضوا منذ 17 تشرين الاول الماضي من دون ان تسقط الخائفين من نتائجها. فقد حالت الظروف دون أن يقدّم اللبنانيون المفروزون بين مذاهبهم وطوائفهم ومناطقهم النموذج الذي يعزّز الثقة بإمكان الإنتقال الى بناء الدولة التي تحلم بها أكثريتهم.

 

وما زاد في الطين بلة، انّ الخلاف بدأ يتسلل الى التركيبة التي تحكّمت بتشكيل الحكومة في اكثر من محطة، ولا سيما في ملف التعيينات المالية والنقدية وفي قطاع الكهرباء والطاقة، قبل دخول باب سد الشواغر في الادارات الأخرى. وكلّ ذلك يجري على خلفيات إصرار البعض على المضي في مسيرته الهادفة الى التحكّم بمفاصل الإدارة المالية والقضائية على قاعدة توزيع المواقع على المحاسيب والازلام من دون النظر الى ما تغيّر في البلد بعد الانتفاضة الشعبية وما تَغيّر في عصر «كورونا». والأخطر استمرار تجاهل كل التوقعات التي تحاكي ما هو منتظر بعدها متى استعاد اللبنانيون حركتهم اليومية ليواجهوا كمّاً من الإستحقاقات، وخصوصاً اذا استعادت الانتفاضة وهجها الشعبي بانضمام عشرات الالوف من العاطلين عن العمل والجَوعى إليها بنحو تَصعب معه مواجهتها.

 

لا يمكن التوغّل في ما هو متوقع في الشكل فقط، انما يجب التوقف من اليوم ترقّباً للتداعيات السياسية والاجتماعية الخطيرة، والتي ستنعكس سلباً على الوضع الحكومي قبل غيره. فرئيس الحكومة ووزراؤها هم في الصفوف الاولى من المواجهة على كل المستويات. وان جرى استشراف المرحلة المقبلة وإحصاء نقاط الضعف، فينبغي البدء بالحديث عن موقع رئيس الحكومة قبل غيره من الوزراء. فالرئيس حسان دياب الذي يقود المواجهة ينطلق من قاعدة الصفر من بيئته المذهبية. فهو لم يتمكّن بعد من ترميم العلاقات الطبيعية معها، وانّ زيارته لدار الفتوى لم تأت بما كان مأمولاً منها على مستوى المصالحة معها. في وقت سيزيد الحصار الإقليمي والدولي على لبنان من الضغوط الى الحدود القصوى، إن بقيت الحكومة في منحاها الحالي مُتخلية عن البرامج التي تعيدها الى خريطة الحكومات العربية ولدى المجتمع الدولي، ولا سيما منه الدول والمؤسسات المانحة.

 

وعليه، لا بد من التوقف مليّاً عند مسلسل الضغوط التي يتعرض لها رئيس الحكومة، والتي ستدفعه ربما في وقت قصير الى طلب النجدة من محيطه الطبيعي مرغماً. فهو لا يمكنه ان يتحمل الى ما لا نهاية ما تسمّيه الدائرة الصغرى المحيطة به الحصار الداخلي الذي زاد منه البيان الصادر عن الرؤساء السابقين للحكومة امس، وما حمله من رسائل مدوية لا بد من ان تحفر عميقاً في سلوكه من ملف التعيينات المقبلة وأداء حكومته تجاه مكوّن لبناني يجري تهميشه، وهو ما سيزيد من حدة الاحتقان المذهبي.

 

وفي أي حال، ما هو أخطر ان يكون هناك من يفكر انّ في إمكان اهل الحكم الاقلاع من الهوة التي بات البلد فيها من دون العودة الى الحكومات العربية والغربية لمساندته في مواجهة الأزمة الاقتصادية متى انتهت أزمة كورونا. فعندها سيكون على دياب أن يغرّد خارج السرب الذي يطوّقه اليوم. فليس صحيحاً انّ الرهان في ظل المتغيّرات المتوقعة بعد عصر كورونا على انّ في إمكان لبنان الخروج من المأزق المالي والاقتصادي من دون الاتّكال على الدعم الخارجي وهو ما سيؤدي الى تفكك الحكومة. فإذا لم تسقط بضربات كورونا، فهي لن تصمد امام الازمة النقدية والمالية المرتقبة.