العين الأميركية على التزام «حزب الله» بـ «قواعد الاشتباك» مع إسرائيل بعد اغتيال سليماني وإعلان خطة السلام
سيناريوهات في الكواليس السياسية عن مرحلة ما بعد الانهيار تبدأ بحكومة عسكرية ولكن لا يُعرف بما تنتهي!
تتّجه الأنظار إلى البيان الوزاري لحكومة حسان دياب وما سيتضمنه من خطة لا بد أن تكون واضحة المعالم ومحددة الخيوط لكيفية التعامل مع الأزمة الاقتصادية – المالية من أجل تأخير الانهيار الكلي الذي يتهدد لبنان. فالخناق الذي يزداد، يضغط على الوقت ويغيب ترفه أمام الحكومة التي ستجد نفسها سريعاً في عنق الزجاجة إذا لم تبدأ العمل في غضون أسبوعين. المناخات حتى الآن تشي بوجود اختلافات في الرؤى على صوغ البيان الوزاري. وهذه من المرات النادرة التي لا تسبق الخلافات نقاشات اللجنة. وربما يعود الفضل إلى خطورة الوضع أكثر منه إلى تجانس فريق عمل حكومة «اللون الواحد» أو حكومة الأكثرية النيابية.
ما هو ظاهر بقوة أن ثلاث جهات تبدي رغبة حقيقية في تقديم الدعم للحكومة للخروج ببرنامج عملي يضع البلاد على السكة الصحيحة لبدء مسار المعالجات الناجعة. ويبدو جلياً أن تلك الجهات المتمثلة بمجموعة العمل الدولية الداعمة للبنان، فرنسا، والمؤسسات المالية الدولية تواكب رئيس الحكومة واللجنة الوزارية، ذلك أن البيان الوزاري يشكل الامتحان الأول لمدى جدية هذا الفريق الحكومي وقدرته ودرايته وعزيمته لمقاربة جريئة للمأزق وسبل النفاذ من السقوط الحتمي. فعلى دقائق هذا البيان يتوقف الانطباع سواء في الداخل أو الخارج. فتبني رئيس الحكومة لمشروع موازنة 2020 أثناء مناقشته في مجلس النواب بدل طلب الانتظار إلى ما بعد نيل الثقة لسحبه وإعادة دراسته في ضوء تحولات 17 تشرين، صبّ في خانة النظرة السلبية لدياب ووزارته. وبات الرهان على البيان الوزاري لتعويض ارتجاج الصورة.
كلام كثير في أروقة منظري «حزب الله» بأن «الحزب» سيكون كثير المرونة في ما خص الشق السياسي للبيان، لا سيما المتعلق بثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة» التي كان يشترطها على الدوام في الحكومات التوافقية. البعض يعزو مرونته إلى إداركه أن وظيفة الحكومة هي العمل على إنقاذ الوضع الاقتصادي – المالي، وهناك حاجة ماسة لمدّها بمقومات نحاجها في هذه الأولوية. لكن البعض الآخر يرى أن الحكومة برمتها تخرج من رحم «الحزب»، وهي حكومته وهو رافعتها وصاحب القرار الفعلي فيها، ويريدها أن تحقق ما جاءت من أجله، فضلاً عن أنه لم يتوقف يوماً عند رأي الحكومات ولا شاورها في قرار السلم والحرب، ما يعني أن وجودها من عدمها لا يُغيّر في المعادلة لديه.
الأمر نفسه ينطبق على سياسة النأي بالنفس، فحتى لو تمّ تضمينها في البيان الوزاري، فلا يعني ذلك قراراً بالالتزام بها، فتجربة الحكومات السابقة التي كانت نظرياً تحتوي على نوع من التوازن السياسي شهدت إخفاقاً كبيراً في القدرة على البقاء بمنأى عن صراعات المنطقة. ويُستبعد راهناً أن يجري التزام «سياسة النأي بالنفس» في حكومة اللون الواحد التي تجنح نحو تكريس انحراف لبنان في اتجاه محور إيران وحلفائها. وقد بدأت التسريبات حول ضرورة إعادة العلاقات السياسية إلى سابق عهدها بين بيروت ودمشق تحت ذرائع عدة تبدأ من موضوع اللاجئين السوريين ولا تنتهي عند فتح الحدود أمام الصادرات اللبنانية عبر سوريا إلى الدول العربية.
على أن المخاوف من فشل حكومة دياب تنطلق من أسئلة مشروعة تتناول ماهية الرهانات التي تستند عليها كي تحظى بالمساعدة الدولية، فتلجم الانهيار؟ وهل هي قادرة فعلاً على القيام بما هو مطلوب منها من إجراءات وتدابير تندرج في خانة الإصلاحات؟ وكيف سيكون شكل الإجراءات التقشفية وتخفيض العجز؟ هل سيقبل «حزب الله» أن يُوضع لبنان تحت وصاية صندوق النقد الدولي؟ وماذا عن الشروط التي سيفرضها «الصندوق» على لبنان والتي تتعلق بالمواضيع الاقتصادية المالية والنقدية كافة؟
ما رشح من معطيات أن هناك توجهاً دولياً بأن تُعطى الحكومة مئة يوم قبل إصدار الحكم النهائي عليها، وليس الأميركيون بعيدين عن هذا التوجه، لا بل إن مطلعين يؤكدون وقوف واشنطن وراء منح فترة السماح تلك. في الظاهر، يكون على الحكومة المباشرة في اتخاذ إجراءات بناء الثقة المطلوبة، ولكن في باطن الأمور، فإن العين الدولية، ولا سيما الأميركية، ستكون على «حزب الله» لجهة ما إذا كان سيبقى ملتزماً بقواعد الاشتباك مع إسرائيل بعد اغتيال القائد السابق لفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني أم سيخرج عنها على غرار ما فعلته أذرع إيران في العراق واليمن، وما سيكون ردّ فعله بعد إعلان دونالد ترامب خطته للسلام في المنطقة. ووفق هؤلاء المتابعين، فإن أولى الإشارات التي قد ترسم المنحى الذي ستتجه إليه الأمور يكمن في موضوع ترسيم الحدود البحرية وكيفية التعامل معه تسهيلاً أو تعقيداً.
هذا الواقع سيجعل لبنان تحت مرمى اشتداد الضغوط الاقتصادية – المالية عليه بعدما أضحى مطوَّقاً بشكل كبير، في ظل إمعان «التيار الوطني الحر» – «الثنائي الشيعي» في الإخلال بالتوازنات السياسية التي كان ممكناً أن تُشكّل نوعاً من الحماية للبنان. فوفق المعلومات المتوافرة، فإن حكومة دياب لن تجد يداً ممدودة لها من دول الخليج العربي. فحتى لو استقبلت رئيس الحكومة الذي قال إنه سيزورها أولاً، فإنه سيسمع كلاماً مشابهاً لما تقوله مجموعة الدعم والجهات الممولة لـ «مؤتمر سيدر» عن ضرورة الإصلاح و«سياسة النأي بالنفس»، وستقف دول الخليج وراء أطروحات صندوق النقد الدولي، حتى إن موقف قطر، التي كان يُعوَّل عليها لن يشذ عن هذه القاعدة.
اللافت أن «سيناريوهات» بدأ الحديث عنها، في كواليس سياسية، عن مرحلة ما بعد حكومة دياب، وهي سيناريوهات يتمّ التعامل معها على أنها ستصبح أمراً مطلوباً وربما جامعاً في لحظة الانهيار، تبدأ بحكومة عسكرية ولكن لا يُعرف بما تنتهي!.