IMLebanon

حكومة دياب عالقة بين موالاة لا توالي ومعارضة جانحة إلى السلطة

 

وتُعيد إحياء النقاش حول وجهة الطائف وتطبيقاته

 

 

تعيش حكومة حسان دياب مخاضا عسيرا، يجعلها عند كل مفصل مكشوفة أمام داخل متربّص وخارج متحيّن للفرص. هذا المخاض ليس ناشئا فحسب عن مواضيع الخلاف الآني وفي مقدمها التعيينات المالية والإدارية والتشكيلات القضائية، بل يعود جذره الى الانقسام السياسي العمودي المسبب لكل الأرق الحكومي راهنا، ورغبة أطراف بأن تكون رجع صدى للخارج المتحيّن للفرص والراغب في تنفيذ ما تبقى مما لم ينفّذ بعد في أجندته اللبنانية.

 

ليس خافيا أن الوعيد الذي تلقّته الحكومة في الأيام الأخيرة لا يتعلق بحفنة تعيينات مالية في مصرف لبنان ولجنة الرقابة والأسواق، بقدر ما يعود تحديدا الى إستبعاد أسماء يرتاح له الخارج لكنها باتت تشكّل ثقّلا داخليا غير مرغوب في إستمراره من جهة، ولأنه يشكل امتدادا لسياسات مالية أثقلت الاقتصاد وأرهقت الخزينة وأوصلت البلد الى ما هو عليه اليوم من إفلاس معلن، ومن انعدام اجتماعي هو الصورة الحقيقية للسياسات الزهرية التي خُيّلت للبنانيين طوال ثلاثين عاما على أنها نعيم مالي – إجتماعي قائم بذاته، لتنتهي بواحدة من أكبر عمليات الإحتيالPonzi Scheme بددت شقاء عائلات، وضيّعت أجيالا وأعمارا وأزمانا.

 

لم يكن في مستطاع حسان دياب سوى سحب بند التعيينات المالية من التداول لاحتواء الحملة التي شنت على حكومته، بغرض واحد وهو إفشال تلك التعيينات، وخصوصا ما لا يتلاقى منها مع متطلبات الخارج، وتحديدا في نيابة حاكمية مصرف لبنان. وبغرض الافشال، إجتمع، مع سبق الاصرار والترصّد، فريقان في الموالاة والمعارضة لنسف التعيينات أو إرجاءها في أضعف الايمان، بذريعة حصة مذهبية، وتقصّدا – تواطؤا – تظهير الخلاف على أنه تحاصصي، ربما لإدراكهما أن دياب نفسه لا يحتمل أن تُطبع حكومته بطابع الحصص الحزبية والمذهبية، وهو ما قاده الى الإرجاء، ربما بحثا عن توقيت ملائم يُصار في الوقت الضائع الى سيناريو – تخريجة ما، يملأ الفراغ المجلس المركزي لمصرف لبنان (ودوره أساس في وضع السياسة النقدية والتسليفية وهي علة لبنان راهنا)، ترضي في الوقت عينه المعترضين المحليين، منفّذي الرغبة الخارجية.

قد تبدو التوليفة التوافقية تلك ضرباً من الخيال، بالنظر الى أن شيئا لن يرضي المعترضين سواء إبقاء القديم على قدمه، لتأبيد السياسات النقدية الكارثية، فيما رئيس الحكومة لا يخفي توقه الى كل تغيير في الأسماء والأداء على حد سواء، وهو أمر – على ما ظهر – يتقاطع فيه مع رئاسة الجمهورية والتيار الوطني الحر، لذا وضعهم المعترضون في السلة نفسها واستهدفوهم دفعة واحدة تحت مظلة التحاصصية المذهبية – الحزبية، بذريعة الحفاظ على حقوق الطوائف.

 

الشلل مرشّح لأن يطال التعيينات كافة وإفشال حكومة العهد الثالثة!

 

نتيجة لهذا الأداء المتداعي بين موالاة لا توالي ومعارضة تتوق الى السلطة، شُلّت الى الآن التشكيلات القضائية والتعيينات المالية وتلك العائدة الى تلفزيون لبنان. والشلل مرشح الى أن يطال كل إستحقاق مماثل، خصوصا لأن ثمة في الموالاة من لا يُخفي جهدا لملاقاة المعارضة بغية تفشيل ما قد يصح تسميته الحكومة الثالثة والأخيرة في عهد ميشال عون، وتثمير هذا الفشل في الانتخابات الرئاسية، على أنه عيب العهد وعيب كل استمرار له.

 

ويأتي هذا التفشيل ليتقاطع بصورة لافتة مع تحميل اتفاق الطائف ما لا يحتمل، باعتباره مكسباً لطرف على آخر، وأن من ينتقده – شكلا وممارسة – أو من يجاهر بالسعي الى تطويره إنما هو يرمي الى ضرب هذا الطرف، وهنا تكمن النواة والعقدة والداء. بهذا المعنى، يصبح تفصيل اتفاق الطائف على قياس طرف مقتلاً له، لا بل منصة مثيرة للقلاقل، وهو أمر على المعنيين تداركه لئلا يكون سببا أو ذريعة لإنقلاب كلي عليه، يعيد إنتاج حروب الجهل والعبث. إذ لا ينفي هذا الواقع أن ثمة أفرقاء لن يقصّروا في نسف الطائف متى أتيحت لهم الفرصة، إنطلاقا من قناعتهم بأن هذا الاتفاق وُجد في ظرف إنتفى أصله وفصله، وكان نتاجا سعوديا – سوريا بتغطية أميركية، فيما في ظن تلك الأطراف ومفهومها أن الثقل الإقليمي الذي أنتج الطائف إنتقل الى ضفة أخرى تتناقض كليا مع الضفة التي رعت، وحمت ولا تزال تشكّل الغطاء العربي والدولي له.