بالأمس اتّهمت مجموعة الدعم الدولية من يهمهم الأمر في لقاء بعبدا المتجدد والمتمدد بأنها ما زالت تطالب العهد بمسؤوليه كافة، باتخاذ الإجراءات الإصلاحية التي تطالب بها المسؤولين منذ منطلقات مؤتمر سيدر ومطالبها المحددة والموثقة والمشدّد على وجوب إطلاقها للوجود بكثير من الشفافية وحسن النية والأمانة المطلقة في التحديد والتنفيذ العملاني على أرض الواقع، كما أفهمت المجموعة الدولية الداعمة من تلتقيهم من المسؤولين أنها بانتظار مقررات الحكومة «الجديدة» وخطتها الإصلاحية المنتظرة والتي وعدت بها الداخل والخارج استنادا إلى ما أعلنت عنه من استقلالية وزرائها وتقنيتهم المتخصصة.
وها هو مجلس الوزراء كالعادة، وفي جلسته الأخيرة التي شاءها أن تعتمد ما هو مطلوب منها من مشاريع وخطط تستوحي منطلقات مؤتمر سيدر وشروط البنك الدولي وروح الإخلاص والموضوعية في اتخاذ المقررات والمواقف التي من شأنها أن تنهض بلبنان، وطنا ومواطنين، من غياهب الحالات الاقتصادية والمادية والمعيشية التي أسسها سوء الحكم والإدارة، ومهالك السرقات الموصوفة التي اقتُرفت بحق لبنان وأهله فتركتهم يتخبطون في مهاوي الافلاس الشامل والعوز والحاجة اللذين غمرا أطيافا واسعة من المجتمع اللبناني الذي يكاد أن ينقلب إلى مجموعة من المهمَلين، وتكاد أيديهم أن تنفتح صاغرة مجبرة، أمام أبواب الشحادة والتسوّل.
نقول ذلك، والحكومة الجديدة (وهي لم تعد جديدة بالفعل) تبتعد شيئا فشيئا عن جهودها التي أطلقتها عند انطلاقتها الأولى، فهي تزداد التصاقا بمطبات العهد القائم وبتمثيل الحزب الحاكم والمتحكم في البلاد والعباد، وبالسياسات بكل أصولها وفصولها. الحكومة الجديدة تقارب كل المسائل الإصلاحية الثانوية، وتتجنب الاقتراب من كل المواضيع الإصلاحية الحقيقية التي طالب بها جميع الإصلاحيين سواء منهم الثوريون الذين أطلقوا وجودهم ومطالبهم منذ شهر تشرين الأول من العام المنصرم، أم الإصلاحيون الكلاسيكيون الذين لطالما ترددت صيحاتهم بوجوب إصلاح وضع الكهرباء التي ما زالت حالها المتردية تتدهور بعيدا عن أي محاولة إصلاحية حقيقية، ويتشبث المسؤولون عنها منذ قرابة العشر سنوات بإبقائها بوضعية المزاريب والثقوب التهريبية التي تجعل منها المسؤولة عن معظم كميات الهدر والديون، التي يرزح تحت وطأتها العجز المالي اللبناني بما يقارب الأربعين بالمائة من حجمه المستمر في التفاقم وإغراق البلاد في حالة مأساوية تقرّبها من حالة الإفلاس الشامل، دون أن ننسى وأن نغفل مجموعة من الأسباب الأساسية المستمرة في التحكم بخناق الوطن والمواطنين وفي طليعتها أوضاع التهريب الحاصلة في جملة من الممرات والمزالق الحدودية والموانئ فضلا عن أحوال المطار التي تُخترق عزلتها حتى في أيام الكورونا، مما يسمح لجهات معينة أن تجني أموالا طائلة تخصصها لأعمال لا علاقة لها بلبنان وبالدولة اللبنانية واحتياجات الشعب اللبناني المتفاقمة، الأمر الذي يحجبها عن تأمين احتياجات الناس التي فاقمتها إلى حد بعيد هجمة الكورونا على الأخضر واليابس، متسببة بالدفع بالمواطنين اللبنانيين، شأنهم شأن مواطني العالم بأسره، إلى حالات من الحجر العام التي حطمت وجودهم الاقتصادي والاجتماعي، وكرّست من حالات العوز والجوع والفقر لدى مواطنين انضموا إلى جموع الفقراء والمعوزين.
في معمعة الخراب والدمار التي تفرضها كل هذه الأوضاع المتفاقمة على أحوال اللبنانيين، نجد حالات من الصراع المجنون مستمرة في مواقع السلطة والتسلط، كأنما أحوال البلاد والعباد في خير عميم. هجوم هستيري على كل مواقع البلاد المالية والاقتصادية والسلطوية يقوم به هذا العهد والمسؤولون فيه، سواء من خلال محاولة وضع اليد على جميع المواقع المسيحية وبعض المواقع السنية التي وجد أصحاب الطموحات الهوجاء أنها فرصة سانحة مغطاة بغبار الكورونا للانقضاض عليها والاستيلاء على خيراتها وتعزيز سلطتهم الزبائنية في مواقعها، وتمتين انتماء البدلاء الذين تعينهم في نعيمها، وهذا هو الشغل الشاغل الأساسي لدى البعض، ما زال قائماً ومستمراً وكأنما الأحوال على خير ما يرام، وفي الوقت الذي يغرق فيه العالم بجملة من التحديات الكورونية المميتة، يستمر الطموح الشخصي والوراثي مستمرا في نهش ما تبقى من الجسد الوطني السليم بعد أن أصبحت سلامته المرجوة، في خبر كان.
ومع كل ذلك، ما زالت بعبدا تدعو المجموعة الدولية إلى نجدة لبنان، وما زال الجواب، رتبوا أحوالكم ونظموا أوضاعكم، وبعدها لكل حادث حديث.