IMLebanon

السلطة تُنكّل بـ”الحاكم بأمرها” لتستدرج عروضاً خارج حدودها!

 

 

تتوهم السلطة الحاكمة والحكومة “المحكومة”، انها تستطيع تنفيذ محاكاة إنقلابية على “الحاكم بأمرها” حاكم مصرف لبنان، من دون أن تتشظى سياسياً ومالياً وأخلاقياً. إذ أن هذه “الهمروجة” الشعبوية المكشوفة، ربما كان من الممكن ان تنطلي على بعض اللبنانيين بعض الوقت لا على كلهم كل الوقت، وتحبس نسبياً روائح “ترويض” الحاكم و”تدجين” المصارف، واستهداف جهة سياسية بعينها، لو أنه هالها ولو بالشكل مشهد طوابير إذلال الكادحين على عتبات المصارف، التي “ابتلعت” أموالها وهي تذرف دموع التماسيح، بالتكافل والتضامن مع الحاكم بأمرهم، ومن دون أن يرف جفن لكل “العنتريين الجدد!”.

 

وفي المقابل، يستعد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة للردّ على اتهامات رئيس الحكومة حسان دياب بأنه تسبب في خسائر بمليارات الدولارات في الأشهر الأخيرة من خلال ادارته لمصرف لبنان، اتهام استلحق بتكليف ثلاث شركات دولية للتدقيق المالي بعمليات المصرف المالية. ازاء هذا التشكيك والاتهام لحاكم المصرف، ذكر اكثر من مصدر متابع أن الحاكم بصدد الرد وتقديم ما يمكن تقديمه من معلومات تساهم في تبرير الخطوات التي قام بها مصرف لبنان، وعلى قاعدة أن الحاكم لم يقم باجراءاته المالية منذ سياسة تثبيت سعر الصرف، الى الهندسات المالية المكلفة، وصولاً الى وقف سياسة حماية الليرة، الّا بالتنسيق مع السلطة السياسية، من الحكومة الى رئاستي الجمهورية والبرلمان.

 

لا يستطيع حاكم مصرف لبنان، ان يبرئ ساحته لجهة الكارثة المالية التي وصل اليها لبنان، لكنه وهو المطلع على كل اسرار الدولة المالية والمسؤولين فيها، يستطيع ان يحيل أسباب الكارثة الى من هم في مركز القرار السياسي، فسياسة تثبيت سعر الصرف، ليست قراراً من الحاكم، بل من تنفيذه وبرعاية اطراف السلطة الذين استسهلوا واستساغوا تمويل الدولة والزبائنية عبر الاستدانة، والمصارف كذلك حققت ارباحاً كبيرة من خلال هذه السياسة المالية التي قامت على الربى وليس على نشاط اقتصادي فعلي يرتكز على أسس راسخة وذات ديمومة وفعالية انتاجية.

 

المواجهة بين رئيس الحكومة حسان دياب والحاكم، هي بالتأكيد تعكس المواجهة بين اطراف السلطة، بين المشاركين في صناعة الأزمة، وليست مواجهة بين السلطة ومن هم خارج نظام مصالحها.

 

الرئيس دياب الذي جرى اختياره من قبل الحلف الذي يقوده “حزب الله”، يدرك ان مساحة الحركة المرسومة له، تقتصر على اطلاق السهام على من هم خارج عملية التطويع الكامل التي اطلقها “حزب الله” بعد انتفاضة “17 تشرين” على مستوى بعض المواقع داخل الدولة، حاكم مصرف لبنان واحد منهم، والمواجهة التي يجب على دياب خوضها، تتركز على من هم خارج مظلة “حزب الله”، من دون ان يعني ذلك ان من هم خارج مظلة الحزب، هم “ابرياء من دم الصديق”، انما الجريمة التي يحاسبون عليها، تتصل بحسابات سياسية، لا بحسابات مالية مشبوهة وسوء ادارة المال العام او الشأن العام. فكما بات معروفاً لدى اللبنانيين عموماً، ان الفساد لا يكون فساداً اذا ما كان صاحبه موالياً لـ”حزب الله” ولمنظومة الممانعة، هذا ما تظهره وتؤكده الوقائع ويلتزم به رئيس الحكومة حسان دياب. عملية الفصل بين السلطة السياسية وحاكم مصرف لبنان، غايته تحميل المسؤولية للحاكم، وتنزيه السلطة أو من يديرها من اي مسؤولية عن الأزمة التي يعاني منها لبنان، يذهب الرئيس دياب في هذا الاتجاه، مدعماً بحملة منظمة من قبل “حزب الله” لا يختصرها نشيد المديح له من قبل ماكينة الحزب الاعلامية فحسب، بل توفر عملية التفجيرات التي تطال بعض فروع المصارف المزيد من توجيه السهام في اتجاه واحد اي بعض الادوات المسؤولة فيما مركز القرار الفعلي خارج اي مساءلة، بل ليس من المستبعد انه يقف خلف هذا الشكل الأمني من الاعتراض.

 

ما تقدم ينطوي ايضاً على انهاء كل ما يتصل بروح انتفاضة 17 تشرين، من خلال حماية معادلة السلطة التي عبرت عنها مرحلة انتخاب العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، والتي مثلت الاعلان الصارخ عن انتصار ايران في لبنان، ما تفترضه الوصاية الايرانية هو المحافظة على شكل النظام بغلبة شيعية، اي القضاء على كل ما يهدد نظام المحاصصة الطائفي، والذي كانت انتفاضة 17 تشرين أوّل من عبر عن خيار لبناني جدي للانقلاب على نظام المحاصصة والوصاية معاً.

 

بهذا المعنى المواجهة التي اتخذت بعداً امنياً في مواجهة حاكم مصرف لبنان والمصارف، هي مواجهة لا تستهدف تطيير الحاكم بقدر ما هي عملية تستهدف استدراج تسوية مع الخارج، فـ”حزب الله” ومن خلفه رئيس الجمهورية، يمارسان فعل التهويل على الحاكم والضغط الى الحدّ الذي يعتقدان أن الادارة الاميركية يمكن ان تتدخل في سبيل حماية الحاكم وحماية المصارف، وبالتالي انجاز صفقة بغاية منع الانهيار، غير أن هذا الرهان ينطوي على ان واشنطن مهتمة بلجم الانهيار ومد يد المساعدة، لكن ثمة من يعتقد أنّ الأزمة اللبنانية بكل اهوالها هي في بدايتها، وواشنطن ليست مستعجلة حلولاً، لا تبدو ان شروطها نضجت، طالما ان ما يقدم اليها هو اعادة انتاج سلطة كانت مصدر الأزمة بنظرها. جنت على نفسها براقش!