Site icon IMLebanon

كيف إلها عَين الحكومة؟!

 

يقول الروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز في روايته الشهيرة «100عام من العزلة» الصادرة عام 1967: «هنا في هذه المدينة لم يقتلونا بالرصاص، قتلونا بالقرارات».

 

ويقول السياسي اللبناني حسّان غارسيا ديابز في بيانه الشهير «100 يوم من الإنجازات» الصادر عام 2020: «هنا في هذا البلد، إذا لم تموتوا بالرصاص فحتماً ستموتون من كثرة الإنجازات».

 

وفي انتظار صدور الطبعة الورقية من كتاب الإنجازات المُنتظر، ظهر رئيس الحكومة حسان دياب على اللبنانيين كالملاك المخلّص على شاشة التلفزيون، وأخبرهم بكل ثقة أنّ حكومته أنجزت 97 في المئة من بيانها الوزاري. وطبعاً، جاء في الكلمة، المعتاد من المازة والمقبلات وجاط الخضرة والمشروب المفتوح، على أنغام العتابا والميجانا بأبيات: سكّة الحديد، والقطار على السكّة، ونشعر بوجعكم، ونعرف حجم التحدّيات والويلات، وحكومة التغيير، وخفافيش السلطة، ولبنان غداً أجمل، ويلعن أبو السياسة وساعاتها، وحاربونا وما خلّونا، إلخ إلخ إلخ…

 

نحن تقريباً، ومنذ العام 1967 نقرأ ونسمع ونشاهد رؤساء وزعماء ومسؤولين يخبروننا عن إنجازاتهم وخططهم الإنقاذية، ويغمروننا بكثرة خوفهم علينا وتفانيهم من أجل الوطن، حتى طاولة التلفزيون ملّت من الكلام المعسول بلا مفعول، ولم تعد تتّسع لمزيد من الروايات والأبطال والنهايات السعيدة على الورق، والتي تقابلها نهايات مأساوية يومية على أرض الواقع.

 

تجزم الحكومة ورئيسها أنّها حقّقت 97 في المئة من إلتزاماتها… لكن الشعب يا دولة الرئيس ومعالي الوزراء، لم يشعر بشيء، أي شيء مهما كان صغيراً. الشعب يريد شيئاً من الثلاثة في المئة الباقية، ربما يجد في هذه النسبة الضئيلة لقمة أو شربة ماء أو ورقة محارم ثمنها محمول، يمسح بها عرق جبينه… أنتم حقّقتم الكثير، لكن الشعب حقّق منذ 100 يوم الكثير من الفقر والقهر وعدم الاستقرار والخوف وقلّة النوم والتعب، وأكثر ما هدّ حيله، السهر للتوفيق بين سعر دولار وسعر ليرة حقّق المعجزات في آخر 100 يوم.

 

كيف إلها عين الحكومة تحكي عن إنجازات والتزامات واستحقاقات، وهي في أول اختبار مهمّ لها قدّمت إلى صندوق النقد الدولي دراسة مالية تفوح منها رائحة الفساد والإهمال، وتفضح جشع الطبقة السياسية العمياء عن أوجاع اللبنانيين ومستحقّاتهم؟

 

كيف إلها عين الحكومة تحكي، وهي بكلّ جبروتها التكنوقراطي لم تقدّم حلّاً لملفّ الكهرباء الذي يضني خزينة الدولة بالديون؟ لماذا لم نسمعها تناقش إنتاج الكهرباء من الطاقة الكهرومائية في بلد المياه والأنهر والشلالات؟

 

كيف إلها عين الحكومة تحكي، وهي لم تستطع إقرار التعيينات القضائية الجوهرية الحرّة والوحيدة، القادرة على المحاسبة الشفّافة وملاحقة ناهبي المال العام ومال الشعب؟

 

كيف إلها عين الحكومة تحكي، مع استمرار التدخلات السياسية السافرة في القضاء، والمحاصصة في توزيع الغنائم، والواسطة الغبية في تنفيع الأغبياء؟

 

كيف إلها عين الحكومة تحكي، والفيول المغشوش يخنق موتورات سياراتنا وشاحناتنا ومعاملنا وشركاتنا ومعدّاتنا الزراعية والصناعية والإنتاجية؟

 

كيف إلها عين الحكومة تحكي، والكابيتال كونترول على الأبواب ولم يتمّ إقرار الخطط المالية التي يمكن أن ترحم المواطن الفقير الذي خسر حوالى 97 في المئة من قدرته الشرائية في محلّات الذبح على المحفظة؟

 

كيف إلها عين الحكومة تحكي، ولبنان يشهد ظاهرة غير مسبوقة في تعدّي رجال الأمن على الصحافيين والأطباء والناشطين؟

 

كيف إلها عين الحكومة تحكي عن إنجازاتها والشعب جائع وغاضب ومظلوم وخائف ومشمئز من الحكّام والمسؤولين والوزراء والحكومة، من يوم يومها؟

 

لعلّ أبرز إنجازات هذه الحكومة هي أنّها بقيت حكومة طوال مدّة عرض فيلم الرعب الذي يعيشه اللبناني أينما ذهب.

 

لكن من المؤكّد أن أهمّ إنجاز لهذه الحكومة منذ 100 يوم، هي أنّ 97 في المئة من الشعب اللبناني يعيشون واحدة من أسوأ المراحل الإقتصادية في حياتهم منذ 100 عام، منذ إعلان دولة لبنان الكبير… ويا له من إنجاز!