Site icon IMLebanon

الإصلاح يبدأ من هنا…

 

خضعت الحكومة ورئيسها حسان دياب لمنطق المحاصصة الفاقعة في زمن إدعاء الإصلاح، وذلك بالسير بـ3 محطات للتغويز انسجاماً مع مبدأ المثالثة حتى في الفساد، على قاعدة محطة للشيعة ومحطة للسنة ومحطة للمسيحيين، على حساب الخزينة المتهالكة وبكلفة تصل إلى مليارات الدولارات في زمن الانهيار المالي والاقتصادي، وفي زمن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي الذي يصرّ على الإصلاح أولاً!

 

منذ مطلع التسعينات من القرن الماضي وحتى اليوم، ثمة قوى ثابتة وراسخة في السلطة والفساد. ثمة قوى أخرى كانت شريكة “محلية” وخرجت بفعل انتهاء دورها. وثمة قوى أُخرى كانت مُبعدة وعادت فدخلت نادي الفساد بقوة وباتت منافسة… لا بل ترأسته أيضاً!

 

هكذا يبدو لبنان مشلّعاً اليوم بين الفساد الناجم عن حكم مافيات تحاصص السلطة و”المغانم”، وبين إصرار “حزب الله” على تغيير وجه لبنان من خلال محاولة إلحاقه بدول محور الممانعة، وذلك عبر السيطرة على كل مفاصل الحكم فيه ومن ثم عزله عن العالمين الغربي والعربي، وهو ما يستلزم حكماً ضرب القطاع المصرفي الذي لطالما شكّل صلة الوصل التي تربط لبنان بأصدقائه الحقيقيين.

 

أما المخرج الوحيد من الانهيار الذي وقع فيه لبنان لا يمكن أن يكون إلا عبر ضرب أسس الفساد على مستويين: مستوى الصفقات من فوق، أي بين أهل الحكم والسلطة التي يرتكبونها باسم الطوائف والمذاهب البريئة منهم. والمستوى الثاني هو مستوى حجم القطاع العام وإدارة الدولة حيث يمارس أهل السلطة أسوأ أنواع “الرشاوى” والإفساد من خلال حجم التوظيفات التي قامت في العقود الثلاثة الأخيرة والتي تستمرّ على قاعدة “الدولة الريعية”، والتي عوض أن تبني اقتصاداً منتجاً يخلق فرص العمل للجميع، تقتل الاقتصاد والقطاع الخاص ليبقى القطاع العام كمساحة وحيدة للحشو الوظيفي للمحاسيب والأزلام بخلفيات انتخابية محض، وهو ما جعل كلفة الرواتب والأجور تناهز الـ40% من أصل الموازنات العامة.

 

هل من حلّ لهذا المأزق؟

 

الحلول دائماً موجودة حين تصفو النوايا. وثمة تجربة في لبنان تستحق التوقف عندها، وهي تجربة شركة طيران الشرق الأوسط التي كانت تخسر أكثر من 80 مليون دولار سنوياً. وعندما اتخذ رئيس مجلس إدارتها محمد الحوت القرار بالإصلاح في العام 2001 وبغطاء سياسي أمّنه الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بدءاً بإعادة هيكلتها والاستغناء عن كل الفائض والحشو بين موظفيها، تحوّلت هذه الشركة الوطنية إلى شركة رابحة تُدخل عشرات ملايين الدولارات سنوياً إلى الخزينة كما باتت بين أفضل 3 شركات طيران في منطقة الشرق الأوسط.

 

الحلّ إذا موجود وهو بإعادة هيكلة الدولة وإداراتها والقطاع العام ككل أولاً والاستغناء عن عشرات آلاف الموظفين، ويُقال إن الرقم يمكن أن يتجاوز الـ150 ألف موظف هم لزوم ما لا يلزم ويكبّدون الخزينة خسائر سنوية هائلة من دون أي جدوى اقتصادية. طبعاً هذا الحل يجب أن يقترن مع وقف الصفقات من فوق وإطلاق يد القضاء وتحريره من التدخلات السياسية، كما وتفعيل عمل المؤسسات الرقابية.

 

يبقى أن هذا الحل لا يمكن أن يكتمل إلا بعودة لبنان إلى تموضعه العربي والدولي الطبيعي، وهذا يتطلب إنهاء هيمنة “حزب الله” عسكرياً وأمنياً وسياسياً على القرار الوطني، كما يتطلب وقف الحرب على القطاع المصرفي ليعود إلى لعب دوره الحيوي لإعادة النهوض بالاقتصاد الوطني. نعم الإصلاح يبدأ من هنا…