Site icon IMLebanon

عدّاد القمع

 

استنفرت السلطة كلّ مكوناتها وأجهزة مخابراتها، للقوطبة على ما سيحصل اليوم السبت في الشوارع اللبنانية.

 

عمليات تفخيخ التحرّك وُضِعَت على نار حامية. وكما تمّ زرع الألغام في جسد الثورة السورية وشرذمتها وشيطنتها، على يد من تربّوا في حضن النظام المُمانع، وتخرّجوا إرهابيين متطرّفين، ها نحن اليوم نشهد شطارة المُندسّين والمُخبرين، وهم يتمدّدون كالسمّ الزُعاف في جسد أي تحرك للشعب اللبناني، مهما كان حجمه، ومهما كانت قدرته على رفع الصوت، حتى يعطّلوا مفاعيله.

 

ومع الأسف، أدواتهم متوفرة، بهذه الحكومة أو من دونها. لا شيء يوقفهم عن استكمال مخطّطات محورهم. فاللاعبون بمصيرنا لا يسمحون بأي محاولة لمواجهتهم. ولا يغفلون عن أي تفصيل، ولا يتهاونون حيال أي تحرّك أو تعليق عبر المنصّات الإلكترونية، أو أي كلمة مكتوبة أو مرئية أو مسموعة، تنتقد اغتصاب الدولة ومؤسساتها وما أدّت وتؤدّي إليه.

 

فهم يعلمون أن كلّ قوتهم وكل وسائلهم غير الشرعية لا تحميهم، ما يدلّ على حجم الذعر والرعب الذي ينتابهم، لمجرّد سماعهم صوت المواطن يُطالب بحقوقه، ذلك أن الحدّ الأدنى من آلية العمل لتحصيل هذه الحقوق كفيل بالإطاحة بهم.

 

لذا، لن يوقفهم إفلاس البلد والبطالة التي باتت تشمل أكثر من مليون لبناني.

 

ولا يكفيهم نجاحهم في شرذمة أهداف التحرّك، والتلاعب بتناقضات المتحرّكين المختلفين على أولوياتهم، بين الساعين الى السيادة والتنديد بالسلاح خارج الدولة، وبين المعترضين على تردّي الوضع الإقتصادي والمُطالبين بمحاسبة الفاسدين، عوضاً عن تكديس القوانين المتعلّقة بمكافحة الفساد التي تبقى في الأدراج.

 

ولمزيد من إخراس الأصوات، لا بد من تشغيل عدّاد قمع الشارع حتى النفس الأخير. ولا بد من تكريس الإفلاس والبطالة والفوضى. ففي هذه اللعبة الجهنمية، الفوضى مطلوبة، ويُمكن استثمارها بوجود هذه الحكومة الواجهة التي تتعثّر بخيالها، والتي لا تملك الا تمديد التعبئة العامة وشحن عدّاد الإصابات بـ”كورونا” بأرقام مرتفعة، لتأجيل المواجهة مع صرخة الأمعاء الخاوية، وذلك بعد مرحلة كانت تتطلّب تخفيض الأرقام للإيهام بتحقيق الإنجازات.

 

ليس مهماً أن هذه الحكومة بتخبّطها وعجزها، تُبرهن يوماً بعد يوم عن تواضع إمكاناتها حتى الإضمحلال. فالمطلوب أن تكون كذلك، ليقتصر دورها على الإلتزام بالتعليمات وتبنّيها، في حين يُتابع اللاعبون الفعليون عملهم.

 

والعبقرية التكنوقراطية تجد أن تعطيل التعيينات القضائية لا يضرّ بالبلد كما يضرّ به قطع طريق لبضع ساعات، وأن صفقة إنشاء معمل سلعاتا بمليارات منهوبة، لا ينسف ما تبقّى من اقتصاد كما تفعل عرقلة وصول من لا يزال يملك وظيفة الى مكان عمله، وأن المعابر الشرعية وغير الشرعية، المفتوحة على وسعها لضخّ الحياة في الجسد الميت للنظام الأسدي، ولتمويل المحور المُمانع من جيب اللبنانيين، تفصيل تافه قياساً بتظاهرة قد تؤدّي الى تخريب رصيف من هنا، وحائط من هناك.

 

والأهمّ، تعتبر هذه العبقرية عدم وضع كمّامة هو الطامة الكبرى، في حين تكتفي بدور شاهد زور على من يُصادرون الهواء الذي نتنفّسه لينهبوه في صفقاتهم المشبوهة، لتتبنّى عدّاد القمع القائم على تكميم الأفواه المطالبة بدولة تحول دون موت الناس جوعاً وقهراً وقرفاً.