لا يعني الفشل الذريع الذي وصلت إليه حكومة حسان دياب أننا بتنا نحتاج حكومة “وحدة وطنية” يصوّرونها حكومة إنقاذ سوف “تشيل الزير من البير” وتحصِّن السلم الأهلي الذي اهتز عن سابق تصوّر وتصميم.
فالشرشحة التي تعانيها حكومة التكنو- 8 آذار ليست دليلاً على سقوط فكرة التكنوقراط او الحاجة الماسة اليها بعد طول اختبار، ذلك ان مطلب “ثورة 17 تشرين” كان ولا يزال تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين تتولى مهمة تنظيف أوساخ الطبقة السياسية ومباشرة الاصلاح، وليس تركيب مجموعة مستشارين وانتهازيين وأتباع يأتمرون بقوى المنظومة الفاسدة التي جعلتهم أصحاب وصاحبات المعالي.
منذ اتفاق الطائف وُصفت أكثرية الحكومات بأنها حكومات “وحدة وطنية”، فجمعت ما هبَّ ودبَّ من القوى السياسية، وأثبتت بالوجه الشرعي أنها مثال عالمي في الفساد والهدر والتنازع والتضحية بالسيادة على مذبح المنافع الشخصية والفئوية والطائفية. ولم يجمِّل صورتها او يُحسِّن أداءَها وجود بعض المخلصين وبعض الأكفاء، فتحولت برلماناً مصغراً ألغى ضرورة تقديم الحساب، واختُصرت اللعبة الديموقراطية بمجموعة ألاعيب ملؤها الوقاحة وقلة الأخلاق… لا بل تتوجت إحدى مراحلها بأشنع جريمة في 14 شباط.
اليوم، تصعد نغمة حكومة “الوحدة الوطنية” مجدداً، ويحاول المروّجون لها بيعها للبنانيين كردّ فعل “وطني مسؤول” على الخطر الذي تعرض له السلم الأهلي في 6 حزيران، فيما هي عملياً استنقاذٌ للمنظومة التي أفرزت حكومة حسان دياب، واستعادةٌ لتجارب تنازعِ مغانم أودت بالبلد الى الإفلاس بعدما استبيحت المالية العامة والسيادة وترعرع في كنفها ليس سلاح “حزب الله” فحسب، بل كل سلاح متفلت، يروِّع الآمنين في بعلبك، أو يصرع امرأة تحمل رضيعها امام أعين الكاميرات في مخيم شاتيلا.
“لا داعي للهلع”، فسخرية القدَر تجعل الاطمئنان ناجماً عن امتلاك فريق واحد للسلاح، لا هو يهوى التهوّر في زمن العقوبات، ولا الآخرون يستسيغون مشاركته رقصة تانغو تستعيد مشاهد الخراب. وواقع الأمر ان الحكومة العتيدة التي تُطبخ احتياطاً وراء الستار بُحثت جدياً قبل 6 حزيران في اجتماعات ليلِِ عجز عن نفيها النهار، ومدحَ محاسنَها ربيبُ الوصاية البائح بمكنونات “العهد القوي” بعدما أُعطي “الضوء الأصفر” لطعن حسان دياب في الظهر بحجة انه “ضعيف لا يستطيع التقليع” و”فلتة شوط” حُقن بمنشطات لتقطيع بعض الوقت.
حكومة “الوحدة الوطنية” لن تكون حكومة وحدة ولا وطنية على الاطلاق لأنها انقلاب موصوف على مبادئ ومطالب “ثورة 17 تشرين” التي انتفضت ضد هذا النوع المؤذي من التركيبات. وهي استغلال للعدوان الذي أضعف ثورة المواطنية العابرة للطوائف والتي هي الأمل الوحيد لاستعادة الثقة بالاقتصاد وبالعيش المشترك وبالدستور وبلبنان.
حكومة حسان دياب تافهة، وحبذا لو ذهبت أمس قبل الآن، لكن بديلها يجب ان يحقّق خطوة الى الأمام لا أن يعيدنا الى وراء سنوات ثبتَ أنها عجاف.