Site icon IMLebanon

أهكذا تستعاد الثقة وتبنى المؤسسات بتجاوز الدستور وتوزيع التعيينات أرباحاً ومغانم؟

 

في حمأة التوتر الطائفي والمذهبي الذي شهد البلد السبت المنصرم، فصلاً جديداً منه هو الأخطر من كل سابقاته، وفي وقت كان ينبغي بالحكومة وكبار المسؤولين في الدولة، تكثيف الجهود لتحصين الوحدة الوطنية، وملاحقة المندسين الذين حاولوا إثارة الفتنة بين اللبنانيين وتوقيفهم، تمهيداً لمحاكمتهم وكشف المحرضين والجهات التي تقف وراءهم. انشغل العهد والحكومة بما قد يعتقدان أنه الأهم، من خلال حفلة التعيينات غير المسبوقة في تجاوز الدستور وتكريس أعراف جديدة، لم يشهدها لبنان من قبل، في مقابل تغييب الآلية التي جرى التوافق بشأنها منذ سنوات، لأنهم يريدون تقاسم الوظائف على الأزلام والمحاسيب، في خرق فاضح للمبادئ والقيم التي يجب أن تقوم عليها دولة القانون والمؤسسات . وفيما يرفض هذا «العهد القوي» الموافقة على تعيين الناجحين في مجلس الخدمة المدنية، وهم من أبرز الكفاءات اللبنانية، تراه يسارع إلى إجراء تعيينات يشوبها الكثير من العورات، وتفتقر إلى الكثير من المصداقية والموضوعية التي يجب توفرهما في كل استحقاق من هذا النوع .

 

وتسأل أوساط سياسية رفيعة،» أليست مفارقة تدعو إلى طرح الكثير من علامات الاستفهام، أن يرد رئيس الجمهورية ميشال عون المؤتمن على الدستور، وعلى حسن سير عمل المؤسسات، التشكيلات القضائية التي أعدها مجلس القضاء الأعلى المشهود له بالكفاءة والمناقبية، في حين يعمد مجلس الوزراء إلى تقديم موعد جلسته التي عقدها، أمس، من أجل تفادي مشكلة قانونية تتعلق بتوظيف أحدهم؟ «وتضيف : «أهكذا تستعاد الثقة ويُظهر المسؤولون احترامهم للقوانين ونبني دولة المؤسسات بتجاوز الدستور وتوزيع التعيينات أرباحاً ومغانم، في وقت يخوض لبنان مفاوضات صعبة مع صندوق النقد الدولي، لا يظهر حتى الآن أنها سائرة في الاتجاه الصحيح، في ظل عدم اقتناع الصندوق بالأرقام المالية التي قدمها لبنان، ما خلق حالة عدم ارتياح من جانب الدول المانحة الممثلة في الصندوق، قد تترك انعكاساتها على سير المفاوضات في المرحلة المقبلة». وبعد الذي جرى على صعيد التعيينات فإن السؤال الذي يطرح : هل هذه حكومة اصلاح ام حكومة محاصصة؟ وكيف تقول عن نفسها أنها حكومة مستقلة، فيما هي غارقة حتى الثمالة في التحاصص وتقاسم المنافع؟ .

 

وتشير الأوساط، إلى أن «رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، هو المستفيد من كل ما جرى، بحيث أنه استطاع أن يفرض إرادته بالوكالة على الحكومة ورئيسها، ويستأثر بحصة الأسد من التعيينات التي جاءت على قياسه، في وقت لم يستطع الرئيس حسان دياب الوقوف في وجه إرادة باسيل المدعوم من الرئيس عون، بعدما هدد رئيس «العوني» بسحب وزرائه من الحكومة، في حال لم تسر الأمور كما يريد.في إطار الضغوطات التي يمارسها على رئيس الحكومة لتنفيذ رغباته».

 

وتسأل: «لماذا هذا الاستعجال في تسمية محافظ لكسروان وجبيل، حتى قبل أن يكون هناك ملاك قانوني لهذه المحافظة؟ وما الداعي إلى العجلة في هذا الملف الذي تظهر بصمات «صهر» العهد واضحة في إخراجه؟ ولماذا لا تكلف الحكومة نفسها عناء بدل التلهي في تعيينات تفوح منها روائح الصفقات، بمعالجة باقي الملفات التي تشكل عنواناً للهدر والفساد، وفي مقدمها ملف الكهرباء الذي يحكم التيار الوطني الحر قبضته على وزارة الطاقة منذ أكثر من عشر سنوات، فيما وضع القطاع يزداد سوءاً، وفي حين تتكشف كل يوم فصول فضيحة جديدة، تخفي وراءها صفقات بمئات ملايين الدولارات» .

 

وأكثر ما يتبدى هذا العجز الحكومي الفاضح إزاء وقف الانهيار المالي، في اللامبالاة المثيرة للتساؤلات عن لجم الارتفاع الجنوني في سعر صرف الدولار الأميركي، رغم الاتفاق الذي جرى بين مصرف لبنان والصيارفة القانونيين، وبالتالي هل يمكن تصديق أن لا قدرة للحكومة على معالجة هذا الارتفاع في سعر الورقة الخضراء التي أصبحت على أعتاب الخمسة آلاف ليرة لبنانية؟ . وإذا كانت الحكومة قادرة على توزيع المغانم بين مكوناتها بالطريقة التي استفزت شرائح الشعب اللبناني، فما الذي يمنعها من القيام،بأدنى واجباتها في الدفاع عن لقمة عيش المواطن، والتصدي للارتفاع في سعر صرف الدولار، وكشف كل المتورطين في هذه اللعبة السياسية الجهنمية؟، في موازاة الكلام الخطير الذي جرى تسريبه عن وجود مخطط خطير لإفلاس المصارف اللبنانية، كجزء من السيناريو المرسوم للبلد، على ما يحمله ذلك من مخاطر على أموال المودعين . وهو ما بات يستدعي تحركاً عاجلاً من جانب المعنيين لكشف كل المعطيات المتصلة بهذا المخطط، والعمل على مواجهته وإفشاله .

 

ولا تستبعد الأوساط، أن يغرق البلد في أتون فوضى لا يمكن التكهن بنتائجها بعد الذي شهده البلد السبت الماضي، فهناك من قد يعمد إلى استغلال الاحتجاجات الشعبية التي ستتكرر وبقوة، لإدخال لبنان في النفق، وإثارة فتنة بين طوائفه ومذاهبه، لن يكون للبنانيين قدرة على مجابهتها في ظل الواقع الانقسامي السائد، الأمر الذي يفرض من المسؤولين والقيادات السياسية والحزبية، التبصر جيداً بما يجري والقيام بكل ما تقتضيه المصلحة الوطنية، لإنقاذ البلد وتحصين وحدته الداخلية وحماية سلمه الأهلي. وقبل ذلك كله، مضاعفة الجهود للتخفيف من وطأة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تهدد بانفجار ما عاد بعيداً، إذا استمرت هذه السياسة القائمة من جانب الحكومة التي ما أقنعت أحداً بأدائها، الأمر الذي فتح الباب أمام البحث في تغيير حكومي، قد بدأ يلوح في الأفق.