Site icon IMLebanon

حكومة الحرب في الوقت الضائع

 

 

سيبقى الفيلسوف بيدبا والملك دبشليم عنواناً لكلّ حالة قمع ومنع حريّة التعبير، لم يغلب الكتّاب والصحافيّون وكلّ من تعاطوا القلم في توسيع أمكنة الحريّة في نصوصهم، فكيف الحال في زمن التواصل الإجتماعي بكلّ الأحوال لن يغلب اللبنانيّون في إيجاد مئات الكلمات لاستخدامها رموزاً تُبقي أبواب حريّة تعبيرهم مفتوحة، في ثمانينات الحرب الأهلية تمّ اختراع بضعة مصطلحات لوصف إحدى الميليشيات في غرب بيروت، وعندما انكشف المصطلح الأوّل كان المصطلح الثاني جاهزاً وهكذا..

 

ومن تجلّيات الأمس أيضاً خروج رئيس الحكومة على اللبنانيّين ليعلن بدء الحرب على الفساد، للمفارقة من سمع نبرة الدكتور دياب اعتقد لوهلة أنّه يعلن حرباً كونيّة خصوصاً وهو يتحدّث عن التبعات التي سيلاقيها في سبيل هذه الحرب!! «ولوْ ما بدها هالقد»، للأسف وسط المشهد الدّاخلي اللبناني السقيم جاء الأمس كيومٍ خارجٍ من كمّ ساحرٍ يقدّم عرضاً طريفاً لباقة مشاهدين ولكنّ أحداً ما عبث بكلّ ألعاب الخفّة التي يمارسها، «يا جماعة» غداً يبدأ تطبيق قانون كفاكم هروباً إلى الوراء أو إلى الأمام فلا فرق، المهمّ ماذا أعددتم للبنانيّين من مفاجآت لحمايتهم من «قيصر» وعقوباته التي ستلحق بنا وتكلّفنا الكثير؟!

 

يستمرّ المسؤولون اللبنانيّون في ممارسة الهروب من أزمته الحقيقيّة وهي أبعد بكثير من الأزمة الاقتصادية، على الأقل أحداث ليل الأسبوع الماضي كانت كفيلة بتأكيد هذا التآمر على الذّات، لجميعهم متواطئون على إضمار الصمت تجاه حزب الله وسلاحه ودويلته وتحييدها حتى عن توجيه أصبع الاتهام لها وتجنيب الحزب الاتهام بأنّه المتسبب الحقيقي في معاناة الشعب اللبناني وانهيار البلاد، مع الإشارة إلى أنّ كلّ الكلام لا يقدّم ولا يؤخّر عند حزب الله ولا عند إيران!

 

لا يجب أن ينخدع أحد بمهادنة حزب الله وخفض صوته هذه الأيام، فهو مكرهٌ على ذلك، وكعادته عندما يحاصر يهرب إلى الاختباء في الحكومة يتقن «التقيّة» باعتبارها «ديناً»، ومن المؤسف أنّ حال لبنان مع الحزب اليوم أشبه بصعوبة ما لاقاه الإمام عليّ كرّم الله وجهه مع أهل الكوفة ودعائه عليهم، وقوله في ذمّهم: «قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحاً، وشحنتم صدري غيظاً، وجرّعتمونى نغب التّهمام أنفاساً، وأفسدتم عليّ رأيي بالعصيان والخذلان» أو دعائه عليهم: «اللهمّ إنّي مَلَلْتُهم وملّوني وسئمتهم وسئمونى فأبدلني بهم خيراً منهم، وأبدلهم بي شرّاً مني»، بل حالنا اليوم مع حزب الله أشبه بدعاء الإمام عليّ كرم الله وجهه [الشيخ المفيد، كتاب الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، 1/277]: «اللهمّ إنّي قد سئمت الحياة بين ظهراني هؤلاء القوم، وتبرّمت الأمل. فأتِح لي صاحبي حتى أستريح منهم ويستريحوا منّي، ولن يُفلحوا بعدي»…

 

هذه حقيقة وليست مداراة، ما أكثر أصوات اللبنانيين التي تعلوا هذه الأيام متبرّمة ضجرة وقد وصلت إلى خلاصة أنّ العيش مع حزب الله مستحيلة، على اللبنانيين -وفي هذه المرحلة بالذات- أن لا ينسوا أنّ التجربة مع حزب الله أفرزت واقع استطاعته حتى اليوم أن يفرض على اللبنانيّين كلّ السياسات التي أرادها وعطّل البلاد حتى نجح في فرضها، برغم أنف جميع اللبنانيين الذين صمدوا منذ العام 2005 في مواجهة «8 آذار» حزب الله وأمينه العام حسن نصرالله، إسمحوا لنا، «من جرّب المجرّب عقله مخرّب»، وعلى اللبنانيّين أن يصدّقوا أن الآتي عليهم وعلى وطنهم، أسوأ بكثير مما مرّ عليهم حتى الآن!