لم يتردد رئيس الحكومة حسان دياب في وصف الحراك المشبوه الذي تلى يوم السادس من حزيران، سواء في ما خصّ التوتر المذهبي الذي شهدته أكثر من منطقة، أو الارتفاع الجنوني في سعر صرف الدولار، بـ”الحركة الانقلابية”. تحدث صراحة عن محاولة باءت بالفشل لإسقاط حكومته من خلال اللعب على وتر الشارع ووتر الانفجار الاجتماعي – الاقتصادي.
وقد اكتملت عناصر التشكيك حين تأهب معارضو الحكومة واستعادوا حراكهم السياسي فجأة. والمقصود بهؤلاء بالدرجة الأولى رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، بالتنسيق والتفاهم مع رئيس مجلس النواب نبيه بري أكثر المتحمسين لعودة الحريري إلى السراي، وها هو نائبه ايلي الفرزلي يغزل على منوال التغيير الحكومي… الأمر الذي استدعى استنفاراً من جانب “حزب الله” للتأكيد أمام رئيس الحكومة أن الحكومة باقية باقية باقية.
يقول المطلعون على موقف “حزب الله” إنّ الحزب قالها بصراحة أمام دياب إن حكومته باقية حتى موعد الانتخابات النيابية، مشيراً إلى أن الحراك السياسي الذي حصل خلال الأيام القليلة الماضية لا يعبّر عن رغبة معارضي الحكومة وحتى بعض أولياء أمرها، في إطاحتها، ليس حباً بها وانما لانعدام البديل.
وفق المدافعين عن الحكومة، ثمة أمران يعيبان أداءها: الخلافات شبه الدائمة بين أولياء أمرها ما يكبّل يديها ويحول دون تمكينها من الإقدام على خطوات سريعة وحاسمة، وقلّة انجازاتها لا سيما في ملف الكهرباء الذي يعتبر مفتاح الإصلاح والمعبر الإلزامي إلى شاطئ الدعم المالي.
في المقابل، يؤكدون أنّ رئيس الحكومة يتسم بالجدية في عمله أسوة ببعض الوزراء الذين أثبتوا أنهم على مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقهم، ولكن لا يمكن اغفال واقع مرير هو أنّه ليس لرئيس الحكومة أدوات تنفيذية يمكن أن تكون طيعة بين يديه، بدليل الجولات والصولات التي خاضها مع حاكم المصرف المركزي رياض سلامة قبل أن يقبل الاخير وعلى مضض بضخّ الدولارات في السوق لتهدئة سعر الصرف، أقله لدى الصرافين.
حاول رئيس الحكومة استخدام كل الوسائل المتاحة للضغط على سلامة، لكن طالما أنّ فريقاً حكومياً مصر على حمايته، والمقصود به رئيس مجلس النواب، فإنّ يدي دياب ستبقيان مكبلتين، كما يرى هؤلاء. ومع ذلك، يقولون إنّ الغطاء الدولي رفع عن حاكم مصرف لبنان، ووحده الغطاء المحلي هو الذي يحميه، والأهم من ذلك هو انعدام البديل حتى الآن، أو بكلام أدق غياب التفاهم على بديل، ومدى قدرة رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل في التأثير على البديل. تلك هي المسألة التي تبقي سلامة في الحاكمية، لأنّ فتح الباب في هذه اللحظات أمام خليفة له، يعني أنّه ستكون لباسيل يد طولى في التسمية. ويبدو أنّ هذا الأمر غير مرغوب فيه.
لكن هذا لا يعني أنّ الحكومة معدومة من أوراق القوة. وفق المدافعين عنها، أهم تلك الأوراق هو تمسك “حزب الله” بها، والثانية غياب البديل. يؤكد المعنيون أنّ الحريري ليس في وارد التقدم خطوة للأمام لتقديم أوراق اعتماده كرئيس للحكومة. يجزمون أنّ الرجل مقتنع أنّ صندوق النقد الدولي يبتعد شيئاً فشيئاً عن سيناريو دعم لبنان، وبالتالي الأزمة المالية – الاقتصادية إلى مزيد من التدهور والانفجار الحتمي، فضلاً عن ممانعة السعودية في عودته الى السراي طالما هي لا تزال على ضفة الخصومة لـ”حزب الله”.
ولهذا يؤكد هؤلاء أنّ الحريري ليس في وارد التفكير أبداً بإمكانية العودة في هذه الظروف الى رئاسة الحكومة ويفضل خوض الانتخابات النيايبة من موقع المعارضة، بانتظار انقشاع الغيوم الاقليمية واستعادة الاقتصاد العالمي دورته الطبيعية، ليبنى على الشيء مقتضاه.
بناء عليه، يجزم هؤلاء أنّ الطرح الذي تقدم به الفرزلي كان بمبادرة ذاتية منه ولا ينمّ عن تفاهم مسبق مع أي فريق آخر، وقد حاول تسويقه لكنه لم يجد آذاناً صاغية، خصوصاً وأنّه يعرف أنّ عودة الحريري تعني حكماً ابقاء رئيس “التيار الوطني الحر” خارج الجنة الحكومية، وهذا سيناريو غير قابل للحياة، أقله في هذه اللحظات.
ولهذا فإنّ الحراك السياسي على خط عين التينة وبيت الوسط وكليمنصو كان يهدف الى تطويق التوتر المذهبي لا أكثر في ضوء مشاهد الجنون التي تسللت فجأة الى الشارع، إلا أنّ أياً من المشاركين في هذه الحركة لم يطرح احتمال التغيير الحكومي. ومع ذلك، تشير المعلومات الى أنّ ثمة تقاطعاً أساسياً يجمع هؤلاء في ما بينهم: افشال الحكومة وعرقلتها.