Site icon IMLebanon

ماذا بعد حكومة دياب؟

 

بات يوم 4 آب 2020 محطة مفصلية في تاريخ لبنان بين مرحلتي ما قبله وما بعده، مثل تواريخ سوداء عدة سُجّلت في مسيرة هذا البلد. وكما أنّ لبنان قبل عام 1975 ليس كما بعده، وأنّه قبل «اتفاق الطائف» ليس كما بعد عام 1990، وقبل استشهاد الرئيس رفيق الحريري ليس كما بعده، فإنّ لبنان بعد 4 آب ليس كما قبله. إنفجار بيروت في هذا التاريخ فتح الأبواب التي كانت ما تزال مُغلقة، أمام كلّ الاحتمالات، وشكّل نقطة الفشل التي ملأت كوب جرائم السُلطة، وحطّمت أيّ جسر ثقة متبقياً بين المواطن والدولة. فبات أيّ تغيير على صعيد السلطة تفصيلاً أمام السؤال المطروح: هل لا زال لبنان بشكله ونظامه ودستوره الحاليين، قابلاً للحياة؟

تقول مصادر سياسية معارضة إنّ أبرز دليل على عدم امتلاك حكومة الرئيس حسان دياب قرارها، إضافةً الى سلسلة أدلة منذ تأليفها، هو عدم استقالتها فوراً بعد الجريمة التي وقعت في 4 آب الجاري والدمار الذي حلّ ببيروت. سقوط بيروت لم يُسقط حكومة «مواجهة التحديات»، وظلّ وجود هذه الحكومة مرهوناً بإرادة مؤلّفيها الذين يُقاومون الإرادة الشعبية، أقلّه منذ 17 تشرين الأوّل 2019.

 

وفي وقت كان اللبنانيون يُلملمون ما تبقّى من أحبّائهم ومنازلهم وعاصمتهم وصمودهم، ويدفنون شهداءهم وأحلامهم ويبحثون عن المفقودين جرّاء انفجار بيروت، كان أركان هذه السُلطة يبحثون أمس في أفضل طريقة لاستقالة الحكومة، تحفظ ماء الوجه وخطّ الرجعة وتثبّت من هو صاحب القرار. إخراج استقالة الحكومة كان مدار بحث بين المسؤولين المعنيين على كلّ الجبهات، لتُقدّم حكومة دياب قرباناً على ذبيحة الإنفجار، فيما أنّ أياً من مكونات السُلطة الأساسيين لم يستقِل ويترك الحكم.

 

لا شك أنّ حكومة دياب أقلّ من يتحمّل مسؤولية انفجار بيروت أو أيّ أزمة في هذا البلد، فهي حديثة الولادة وحُكمت بتركة ثقيلة من فشل وإخفاقات وسرقات وفساد، وبارتهان قرارها بالجهات السياسية التي ألّفتها. لذلك يقول وزير سابق: «على رغم أنّ الحكومة الحالية غير مسؤولة عن غياب الدولة القادرة والفشل الإداري وعجز المؤسسات والأزمة المتمادية والمتفاقمة، إلّا أنّ من يكون في الحُكم والسُلطة هو من يتحمّل المسؤولية».

 

وفي حين أنّ الفريق السياسي الذي أتى بحكومة دياب ووزرائها التكنوقراط، أي الثنائي الشيعي والعهد و»التيار الوطني الحر»، كان يعوّل على أن تجترح هذه الحكومة حلولاً إنقاذية للدولة والسلطة في آن، ساهمت هذه الحكومة بحد ذاتها من خلال إرباكها وإخفاقاتها وعجزها عن تحقيق أيّ إجراء إصلاحي مطلوب من المجتمعين اللبناني والدولي على حدٍ سواء، في إسقاط نفسها وإسقاط مَن يتحكّم بقرارها، قبل سقوط المرفأ والأرواح والحجر في بيروت. وتقول مصادر نيابية منحت هذه الحكومة الثقة، إنّ حكومة «مواجهة التحديات» أثبتت أنّها لا تتمتّع بخبرة ولم تقُم إلّا بمقاتلة الأشباح، فحتى التفاوض مع صندوق النقد الدولي لم تتمكّن من إيصاله الى خواتيمه، بمعزل عمّا ستكون نتائجه، فضلاً عن أنّ السلطة التنفيذية بشقّيها بَدا وكأنّها تقصد معاندة الخارج وممانعة تنفيذ المطلوب، من ملف الكهرباء لجهة المعامل ومجلس الإدارة وتعديل القانون والهيئة الناظمة، الى التعيينات والطعن بقانون آلية هذه التعيينات ورد التشكيلات القضائية».

 

وتُشبّه المصادر نفسها هذه الحكومة بطبيب يُمعن في تأنيب مريضه والقول إنّه ليس من تسبّب بمرضه، بدلاً من أن يُعالجه. وتشير الى أنّه «أُتي بهذه الحكومة لأنّها تكنوقراط لكي تحمل حلاً، وليس لكي تدين من سبقها أو لتذكّرنا يومياً بأنّها غير مسؤولة». وتعتبر أنّ «هذه الحكومة سقطت قبل حصول انفجار بيروت، ولو أنّها نجحت في معالجة أيّ ملف أو باستعادة جزء من الثقة الداخلية أو الخارجية، لكان اللبنانيون وثقوا في إمكانية إدارتها هذه الأزمة، إلّا أنّ مسارها طيلة الأشهر السبعة الماضية يؤكد عجزها المُطلق».

 

سُقوط الحكومة شعبياً يسري على السلطة بكاملها، بأركان الحُكم الجُدد والقدامى، ويتجلّى بعدم تجرّؤ أيّ مسؤول في المؤسسات الدستورية، على النزول الى الشارع أو الاحتكاك بالناس. جميعهم مرفوضون ومكروهون ومُطالبون بالرحيل. ويقول نائب ينتمي الى كتلة كبيرة: «أيّ واحد منّا، حتى لو كان تاريخه ناصع البياض، يخاف التواجد بين الناس، حيث لن يلقى إلّا البطاطا والبيض والبندورة، وهذا قبل الانفجار في مرفأ بيروت، فكيف بعده؟». وتؤكّد مصادر مُطّلعة على مسار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي ومحاولات فتح نافذة دعم للبلد من الخارج، أنّ «البلد كان متّجهاً الى الانهيار التام بكلّ الحالات قبل انفجار الثلاثاء، وما زالت السُلطة متمسّكة بمصالحها على حساب وجود البلد وكيانه».

 

لكن ماذا بعد استقالة حكومة دياب قانوناً؟ كثيرون، ومنهم رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، يعتبرون أنّ استقالة حكومة دياب «لا تقدّم ولا تؤخّر» في ظلّ وجود أكثرية نيابية ستأتي بحكومة أخرى شبيهة بهذه الحكومة ومُسَيطر عليها، وفي ظلّ المجلس النيابي الحالي. وفي حين بدأ بَث أجواء تأليف حكومة «وحدة وطنية»، حتى قبل استقالة حكومة دياب، هناك رفض سياسي وشعبي كبير لأيّ حكومة من هذا النوع تجمع مَن انتفضَ عليهم اللبنانيون في 17 تشرين الأول. وفي حين هناك مطلب شعبي وسياسي واسع بالإتيان بحكومة مستقلة وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، لا تزال قوى عدة تمانع إجراء هذه الانتخابات ومنها «حزب الله»، واتُّفق أمس على «تخريجة» تقضي باستقالة حكومة دياب مقابل عدم استقالة كتلتي «اللقاء الديمقراطي» و«المستقبل» من مجلس النواب.

 

وبالتالي، هناك اعتبار أنّ لبنان قد يكون أمام مرحلة من الفوضى المُفتّتة والمُفكّكة، إذا لم تُعِد هذه السلطة الكلمة الى الشعب اللبناني في انتخابات نيابية مبكرة تشرف عليها حكومة حيادية مستقلة، خصوصاً في ظلّ رفض «حزب الله» التراجُع أو عدم حماية ظهره وزارياً ونيابياً. وبالتالي، إنّ البلد مُقبل بالحد الأدنى الى كباش سياسي، إذا لم يغرق في فوضى يتبعها بحث في نظام مختلف أو عقدٍ اجتماعي جديد بعد فشل العقد القائم.