IMLebanon

هل ينتصر دياب في معركة «كسر العظم» مع الحريري؟

 

كان الإنجاز الشكلي الأهم الذي تحقق في البلاد هذا العام هو الإتيان بحكومة من خارج الطبقة السياسية التي ثار عليها اللبنانيون في 17 تشرين الأول. أراد البعض تصديق مقولة «حكومة المستقلين»، لكن الغالبية من اللبنانيين كانت تعلم جيدا ماهية الأمر، هي حكومة ذات أقنعة بغالبيتها جاءت بها قوى الأمر الواقع، لكن يشفع لها أن الأعضاء فيها هم على وجه العموم من ذوي الخبرة والإحترام والنزاهة.

 

وَهم مقولة الـ«تكنوقراط»

 

مناسبة هذا القول هي التعيينات المالية التي تريد الحكومة إقرارها والتي تشكل المثال الصارخ على رسم الطبقة السياسية المعهودة لخيوط اللعبة، وقد جاء تهديد البعض بوقف مشاركته في هذه اللعبة السياسية ليؤكد أنها حكومة السياسيين بلبوس «مستقل».

 

إزاء هذا الأمر، وجد رئيس الحكومة المكلف الدكتور حسان دياب نفسه سريعاً في خضم لعبة بدا أنه بدأ بتلمسها بعد تعثر، وكان أبرز مثال على ذلك اصطدامه على خفر، مع رئيس مجلس النواب نبيه بري في موضوع المغتربين.

 

تراجع دياب برشاقة وسلّم لبري ووراءه «حزب الله» موقف إعادة هؤلاء على الرغم من معارضة بعض أقطاب الحكومة وتسليم العهد و«التيار الوطني الحر» على مضض بهذا الأمر في إطار لعبة الأخذ والرد وشراء المكتسبات على طريق الهدف الأكبر لرئيس التيار جبران باسيل الذي بات معروفاً للجميع.

 

والواقع أن الحكومة التي بدت متراصة في بداية توليها، تواجه مطبات صعبة نتيجة مطالبات المحاصصة الفاضحة بين أركانها. ويجب التأكيد أن سقوط الحكومة اليوم يعني سقوطاً مدوياً لآخر محاولات الإصلاح في البلد، وهو أمر يُقر به كثير من المنتفضين الذين نزلوا الى الشارع ضد السلطة السياسية في البلد، ومنتفضين آخرين رفضوا جوهر هذه الحكومة مع أنهم يعترفون أنها عملت في الأسابيع الأخيرة أكثر من مثيلاتها في السابق.

 

…وفي ظل تحاصص مفضوح على التعيينات، يشير ثوار الساحات الى أن «حكومة التكنوقراط» ليست سوى وهماً، بينما يلفت آخرون أيضاً، وبنوع من الإعجاب، إلى صمود دياب في هذه اللعبة برغم افتقاره الى الدهاء السياسي في هذه اللحظة، وفرضه بعض الشروط في ملف حساس يتعلق بالتعيينات المالية ذات العلاقة بالطائفة السنية، في كباش مع زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري، وهو ما يُذكر بما فعله خلال مبارزة تشكيل الحكومة حين خرج ببعض المكتسبات رغم أنف آخرين.

 

والواقع أن دياب رفض بشدة التجديد لنواب حاكم مصرف لبنان الأربعة، وهو لم يكن بذلك فقط يقاوم رغبة الحريري الذي كان يدفع الى التجديد للنائب الثالث للحاكم محمد بعاصيري (السني)، ودياب يعلم تماماً أن بعاصيري قد فُرض دوما برغبة أميركية جامحة، لا بل أن رئيس الحكومة قد دخل بمواجهة مع بري الذي تمسك بقوة بالنائب الأول رائد شرف الدين.

 

وقد حاول بري حتى اللحظة الأخيرة التوصل الى تسوية تبقي شرف الدين وبعاصيري بما يرضي الحريري، بينما يتم استبدال النائب الثاني الدرزي سعد العنداري والرابع الأرمني هارتيون صاموئيليان. استمر التجاذب حتى اللحظة الأخيرة قبل اتفاق الجميع على استبدال النواب الاربعة للحاكم لصالح أسماء جديدة. ويشير كثيرون الى أن بري كان يفاوض دياب ومن ورائه العهد ورئيس «التيار الحر» جبران باسيل الذي يتهمه كثيرون بمحاولة اجتياح المواقف المسيحية وغيرها أيضا كموقع رئيس لجنة الرقابة على المصارف السني والذي يشغله سمير حمود المُقرّب من الحريري.

 

وبعد مفاوضات عسيرة تزامنت مع رفع زعيم «تيار المردة» سليمان فرنجية الصوت مهدداً بالانسحاب من الحكومة، يشير المتابعون الى قرب توصل الجميع الى تسوية ترضي اللاعبين في الحكومة.. باستثناء الحريري!

 

زعيم «المستقبل» يدفع ثمن خروجه

 

والحال أن مأزق الزعيم «المستقبلي» يتأتى من كونه رفع راية التسليم سريعاً في المعركة عبر تركه جنة الحكم في الايام الاولى للانتفاضة الشعبية. وهنا تبدو الأسئلة حول موقفه منطقية ويطرحها بعض «المستقبليين»: ما الذي كان يراهن عليه الحريري عند استقالته من الحكومة؟ لماذا تشدد في محاولات إثنائه عن رفض العودة وهي محاولات جاءت من خصمه السياسي الكبير «حزب الله»؟ وإذا كان معانداً الى هذه الدرجة، لمَ حال دون توليَة غيره؟

 

والواقع أن خروج الحريري يدفع الى تساؤلات وانتقادات داخل تياره كما في صفوف مقربين منه باتوا يرون أن الأمور في البلاد بدأت بتخطيهم. فقد تجرأ دياب ومعه العهد على حصة للحريري في التعيينات، وخاصة منصب نيابة الحاكم السني الذي يدفع رئيس الحكومة باسم سليم شاهين له، ورئاسة لجنة المصارف التي قد تؤول إلى موفق اليافي الذي يؤيده دياب علما أنه غير بعيد عن الحريري الذي سمّاه قبلاً في لجنة الإشراف على الانتخابات.

 

اعتقد الحريري أن علاقته الجيدة ببري والحساسيات الطائفية ستنصره عبر تمسكه ببعاصيري تحت عنوان إبقاء القديم على قدمه. هنا أيضاً فشل رهان زعيم «المستقبل»، علماً أن مقربين منه طرحوا أسماء أخرى غير بعاصيري مثل مازن سويد سواء لنيابة الحاكمية أو رئاسة لجنة المصارف، إلا أن الحريري قرر الدخول في معركة «كسر عظم» في سبيل بعاصيري، لكن، لأسف الحريري، فإن الأسماء التي طرحها دياب هي التي تتصدر المشهد.

 

ومهما كانت نتيجة هذا الكباش، لا يبدو أن الحريري سيخرج منتصراً فيه ليتذوق مرارة الخروج من الحكم ومنع كسر الحظر على حظوته السنية في الحكم، وإذا كان الصوت سيعلو في وجه كسر العرف في وجهه، فإن الحريري ليس في وارد التصعيد حتى درجة إستقالة كتلته من المجلس النيابي كما يروج أخصامه. هذا مع العلم أن رهانه، حسب البعض وكثير منهم أخصامه، على أن حكومة دياب «لن تعمّر»، لن يتحقق، فمعركة «كورونا» تسمو على غيرها والبلاد في حالة طوارىء ستطول ومن غير الممكن إسقاط الحكومة في هذا الظرف العصيب.

 

التحديات أمام رئيس الحكومة

 

ولناحية دياب نفسه، سيكون عليه تعلم تمرّس اللعبة السياسية، وله المتسع من الوقت لذلك، وسيُعول على قدرته المفاجِأة للجميع على الصمود وصبره وأعصابه الفولاذية ليتخطى الأزمات الأكبر في البلاد منذ عقود.

 

لكنها أيضاً فرصة لرئيس الحكومة الذي بقي مغموراً حتى طرح إسمه لنادي رؤساء الحكومة، ويُسجل له تصديه للمهمة في ظرف دقيق وسط رفض شعبي لكل من تولى مهاماً رسمية سابقاً. وهو اليوم يواجه معارضة سياسية من خارج وداخل الحكومة، وتململاً شعبياً لم يأت فض اعتصام وسط بيروت سوى ليزيده غضباً، وظروفاً عربية معارضة لتوسعه في اتجاهها، ودولية متريثة في ظل أولويات فرضت نفسها على مساعدات منتظرة للبنان.

 

ستكون المهمة صعبة على دياب في مواجهة من يمتلك التمرّس السياسي والقدرة المادية والإعلامية، لكن رئيس الحكومة الذي يعلم بعدم وحدة تلك «المعارضات» في وجهه وأهدافها المتناقضة أحياناً، سيُعول على أهم ما في العوامل المساعدة، فسقوط الحكومة هو خط أحمر بالنسبة الى اللاعب الأهم في البلاد وهو «حزب الله» كما للعهد برئيس الجمهورية ميشال عون وصاحب الكتلة النيابية الأكبر جبران باسيل، وحتى بالنسبة الى لاعبين كبار في البلاد يعلمون تماماً أن لا قدرة للبلد على تشكيل حكومة جديدة في الظروف الحالية.

 

وما بين الظروف المساعدة والأخرى السيئة التي تحيق بالحكومة، كان عليها تقديم برنامج ملموس خارج الإطار الدعائي، وهي ستُختبر في هذه المرحلة الدقيقة مع مواجهتها للخطرين الكبيرين اليوم وغداً: تحدي وباء «كورونا» الذي نجحت جزئياً فيه حتى الآن، واستحقاق قديم وطويل الأمد ورثته الحكومة عن سابقاتها وهو خطر الأزمة الاقتصادية التي يجب أن تُواجه بخطوات إنقاذية سريعة بعيداً عن الإنشائية والخطابيـة السابقة.