IMLebanon

مرضى السكّري: لا دواء ولا حمية غذائيّة

 

 

في ظل الأزمة، وصلت الحال ببعض المرضى إلى اختصار مواعيد تناول أدويتهم وتقنينها لكي لا يضطرّوا إلى شرائها بأسعارها المضاعفة. هذا ما يحصل تماماً مع مرضى السكري الذين وجدوا أنفسهم عاجزين عن مواجهة «القاتل الصامت» بسبب غلاء الأدوية والإبر من جهة، وكلفة اتّباع الأنظمة الغذائية من جهة أخرى. بسبب قلّة ذات اليد، ينتقي معظم المرضى من «وصفة» الطبيب ما يتناسب وقدراتهم المعيشية

 

ضربت الأزمة الاقتصادية نمط الحياة الخاص بمرضى السكري، فزادت الأعباء عليهم وعلى ذويهم. أعباء لم تعد محصورة بالجانب المادي الذي يكاد يخنق حياة المرضى، وامتدت تداعياته لتطال الجانب النفسي لهؤلاء. اليوم، ومع ارتفاع كلفة الفاتورة الدوائية، يفرض مرضى السكري نظامَ «تقنين» قاسياً يطال أدويتهم. بعضهم عمدوا إلى تقليص مواعيد أخذ أدويتهم للحفاظ عليها لأطول فترة ممكنة. ووصل الأمر بآخرين إلى حدّ التراخي و«التطنيش» في قياس معدلات السكر في الدم بهدف توفير لوازم قياسها، وترك الأنظمة الغذائية الخاصة بهم، بعدما باتت مكلفة جداً.

 

فرح أبي مرشد (32 عاماً) واحدة ممن «اقتصدوا» في علاج مرض السكري. الشابة التي تحمل المرض من النوع الثاني منذ سنّ الثامنة عشرة تعيش اليوم في «مواجهة شرسة مع المرض ومع المنظومة السياسية الفاسدة التي تجعلني أشعر بالقلق والخوف الدائمين من عدم القدرة على تأمين دوائي». وهي خبرت هذا الشعور سابقاً مع انقطاع الحقنة الداعمة للدواء التي تتناولها مرة في الأسبوع لتحمي الكبد والكلى والقلب من آثار المرض، ما دفعها إلى شرائها من الخارج بسعر 300 دولار بعدما كانت تشتريها بـ 181 ألفاً قبل الأزمة. أما دواء السكري، إن وجدته بعد رحلات بحث طويلة في الصيدليات، فقد ارتفع سعره بعد رفع الدعم من 147 ألف ليرة الى 740 ألفاً، وأحيانا تضطرّ إلى شرائه من الخارج بـ 70 دولاراً. الأخطر من ذلك كله هو «الشعور الدائم باللاأمان»، ما دفعها إلى «تقنين» تناول الدواء بحبة واحدة يومياً بدلاً من اثنتين لضمان استمرارية أخذه «رغم التداعيات المهولة لهذا التصرف على صحتي النفسية والجسدية، فهو يؤثر على نظري وإنتاجيتي ويزيد من سلوكي الانفعالي».

لتفادي الانقطاع، خزّنت زينب أدوية والدتها (51 عاماً) المصابة بالسكري من النوع الأول. مع ذلك، لم يكن الحصول على هذا الخزين سهلاً، إذ استلزم منها البحث في الصيدليات والتوسط لدى عاملين في مستودعات أدوية لجمع أكبر عدد من حقن الأنسولين وحبوب الدواء التي تأخذها والدتها بشكل دائم. أما الهاجس الآخر الذي يؤرّق زينب طوال الوقت فهو حفظ تلك الأدوية في برادات لا تنقطع عنها الكهرباء و«خصوصاً لإبر الأنسولين».

التخزين و«التقنين» طالا أيضاً لوازم قياس معدلات السكر في الدم ومراقبتها باستمرار. تسخر زينب كيف تغيّر نمط حياة والدتها التي «كانت تقيس السكر قبل تناول أي وجبة وبعدها الى درجة أنها تعرّفت إلى نسبة السكر الموجودة في أغلب الأطعمة، أما اليوم فلا تقيسه إلا عندما تشعر بأنها متعبة» بسبب انقطاع «الرِّيَش» والحقن التي تستخدم لمرة واحدة فقط عند القياس من الأسواق، «لذا نتغاضى عن رمي الحقن ونعقّمها بعد الاستخدام». أما علا الحركة، والدة الطفل عماد (9 سنوات) المصاب بالسكري من النوع الأول، فتؤكد اضطرارها إلى التغاضي عن تغيير الحقنة التي تشكّ الطفل عند قياس معدل السكر ليوم أو يومين رغم أنها تخشن عند استخدامها مرات عدة فتوجع طفلها، كما تضطر إلى اختصار القياس في فترات محددة لارتفاع سعر الريش وعدم توفرها.

 

مرضى يُضطرّون إلى تقنين جرعات الأدوية واستخدام الحقنة أكثر من مرة

 

 

عندما اكتشفت علا إصابة طفلها العام الماضي، كانت «الدنيا بخير وكل شي مؤمن». لكن بعد شهرين فقط بدأت الأدوية واللوازم التي يحتاج إليها مريض السكري تنفد من الأسواق حتى صار «المرض عبئاً ثقيلاً على المريض وأهله». صحيح أنها تحصل على كل ما تحتاج إليه لطفلها بالسعر المدعوم من مركز الرعاية الدائمة للأطفال، لكن «أعرف كثيراً من الأمهات لا يحصل أطفالهن على الرعاية من المركز الذي ما عاد يستقبل أي طفل جديد، حتى صار الأهالي عاجزين عن تكبد تكاليف علاج أولادهم». وفي التفاصيل، ارتفع سعر Tresiba، وهو دواء الأنسولين البطيء من 180 ألفاً إلى 536 ألفاً، في حين ارتفع سعر Novorapid، الأنسولين السريع، من 150 ألفاً إلى 305 آلاف، علماً بأن المريض يحتاج إلى علبة واحدة من أحدهما على الأقل شهرياً.

ليست الأدوية وحدها الهاجس اليوم بالنسبة إلى المرضى وذويهم، وإنما أيضاً الأنظمة الغذائية التي يوصي بها الأطباء مرضاهم. فقد تغاضى كثر من المرضى عن تلك الحميات «لأن معظم الأصناف باتت خارج متناول المرضى في لبنان»، بحسب زينب، «فالأزمة الاقتصادية دمرت البنية النفسية للجميع بمن فيهم مرضى السكري، ورفعت تعرفة دخول نوادي الرياضة، وجعلت الحمية الغذائية باهظة الثمن». تشرح زينب كيف تغيّر نظام غذاء والدتها: «لم يعد بإمكاننا تأمين الحليب الخالي الدسم، والسكّرين بدلاً من السكر، والمُحلِّيات الخاصة، والأطعمة الخالية من السكر، والتنويع في الوجبات». أما علا فتشكو «ضرب الحمية الغذائية لطفلها»، إذ أوصاها الطبيب بالتركيز على الأطعمة الغنية بالبروتين كالدجاج واللحمة والبيض وغيرها والتقليل من النشويات بما فيها الخبز والبطاطا والأرزّ، لكن «ما يحصل اليوم هو العكس، لأن تأمين وجبات تراعي مريض السكري بات مستحيلاً». وبما أن الجسم يطلب كل أنواع المأكولات وخاصة لدى الأطفال، لا يعدّ تناول الحلوى رفاهية، «لذا أشتري لطفلي لوح الشوكولا العادي وليس الخالي من السكر الذي زاد سعره إلى 23 ألف ليرة على الأقل»!